.
الخبير الاقتصادي والمحلل المالي د. ثابت أبو الروس يرى أن ما يجري ليس أزمة عابرة، بل عملية إسرائيلية ممنهجة لتدمير البنية التحتية الفلسطينية وإخضاع الاقتصاد الوطني، وقال لوكالة تسنيم الدولية للأنباء: بالتوازي مع العدوان العسكري والسياسي، هناك عدوان اقتصادي مستمر. تم تدمير قطاعات حيوية في الضفة الغربية، وفرض قيود خانقة على حركة البضائع والأفراد. اليوم نتحدث عن أكثر من 940 بوابة حديدية تفصل المدن والقرى الفلسطينية عن بعضها، وتخلق واقعاً اقتصادياً خانقاً.

ويضيف أبو الروس أن العمالة الفلسطينية كانت أولى ضحايا هذا الحصار، موضحاً أن أكثر من 196 ألف عامل من الضفة الغربية فقدوا تصاريح عملهم داخل الخط الأخضر، ما يعني حرمان السوق الفلسطيني من تدفق مالي سنوي تجاوز مليار وأربعمائة مليون شيكل.
"قبل السابع من أكتوبر كانت البطالة في حدود 23.8%، أما اليوم فارتفعت إلى أكثر من 42%، بينها 32% في الضفة و85% في قطاع غزة"، يقول أبو الروس، مضيفاً أن الناتج المحلي يشهد انكماشاً حاداً، وأن الأسواق تعاني شللاً متزايداً.

أسواق خاوية وأمل باهت
في الأسواق التجارية لمدن الضفة، بات المشهد مألوفاً: محال شبه فارغة، ووجوه متعبة تبحث عن قوت يومها.

يقول عدنان الرمانة، تاجر من رام الله لـ تسنيم: الوضع سيئ جداً. كل شيء يتراجع إلى الوراء. لا حركة بيع، ولا قدرة شرائية، ومع انقطاع الرواتب صار الناس بالكاد يؤمّنون احتياجاتهم الأساسية. حتى التنقل بين المدن صار معاناة يومية بسبب الحواجز والإغلاقات".

وفي مدينة جنين، التي تشهد اقتحامات متكررة، تبدو الصورة أكثر قتامة. أحد التجار يصف المدينة بأنها "تحت خط المعيشة بكثير"، موضحاً أن الاقتحامات عطلت الأسواق وأخافت الناس من النزول إلى الشوارع: الشوارع مدمرة، الناس ما معها مصاري، والعمال ما بيشتغلوا. حتى الخضار ما بتنباع. الوضع مأساوي بكل معنى الكلمة.
⸻

الخريجون بين الحلم والبطالة
إلى جانب التجار والعمال، يعيش عشرات آلاف الخريجين الجامعيين حالة إحباط متزايدة. أحد خريجي اللغة الإنجليزية يقول لـ تسنيم: تخرجت من سنتين، دورت على شغل في الحكومة، في الخاص، حتى في وكالة الغوث، وما في أي فرصة. السوق مشبع، وصار في استغلال للبنات اللي بيقبلوا برواتب 500 أو 800 شيكل بس لأنهم مضطرين.

بحسب بيانات المؤسسات المحلية، يتخرج سنوياً أكثر من 20 ألف شاب وشابة في الضفة، دون وجود سوق قادرة على استيعابهم. ومع استمرار تراجع القطاعات الإنتاجية، بات كثير منهم يعمل في وظائف مؤقتة أو غير رسمية، بأجور متدنية لا تكفي لتغطية أبسط الاحتياجات.
⸻
أزمة مالية وعدلية
الأزمة الاقتصادية ألقت بظلالها أيضاً على المؤسسات المالية والمحاكم. يوضح عدنان الرمانة أن مئات المواطنين يواجهون دعاوى قضائية بسبب الشيكات والالتزامات غير المسددة: في محاكم رام الله والخليل الناس مش قادرة تسكر ديونها. الرواتب مقطوعة، والتجار مفلسين، وكل يوم بنسمع عن أوامر حبس جديدة بسبب الكمبيالات والشكات.
⸻

اقتصاد على حافة الانهيار
يؤكد الخبير الاقتصادي د. أبو الروس أن الصورة العامة قاتمة، وأن الاقتصاد الفلسطيني يعيش حالة انكماش حاد نتيجة تداخل الأزمات:
• حصار على المدن الشمالية ومصادرة آلاف رؤوس الأغنام في الأغوار وطوباس.
• توقف شبه كامل للحركة التجارية.
• انهيار القدرة الشرائية.
• وارتفاع حاد في نسب الفقر والبطالة.
ويختتم قائلاً:
الاحتلال يستخدم الاقتصاد كأداة للضغط السياسي. لكن رغم كل ذلك، الفلسطيني ما زال يقاوم بصموده اليومي، في السوق والجامعة والبيت، متمسكاً بحقه في الحياة والكرامة والعمل".
/انتهى/