وأكد التقرير أن طهران تمتلك القدرة على تصدير الصراع جغرافياً ليشمل حلفاء تل أبيب، مقترحاً أن تعمل بروكسل على "كسب الوقت" من خلال احتواء الطرفين معاً، وذلك لحماية أمنها الطاقي من الانهيار.
وبحسب تحليل المركز، فإن الدروس المستفادة من الحرب السابقة التي استمرت 12 يوماً قادت معظم العواصم الأوروبية إلى قناعة مفادها أن التكلفة الفعلية لأي جولة قادمة لن تتحملها لا إسرائيل ولا إيران، بل ستقع على كاهن أوروبا. فستنهار منظومة الأمن الطاقي، وتتعطل سلاسل الإمداد البحرية والتجارة العالمية، ويتجمد تدفق رؤوس الأموال بين أوروبا وغرب آسيا.
والأخطر من ذلك، أن احتمالية تحول إيران إلى قوة نووية خارج السيطرة، وانجرار الولايات المتحدة إلى حرب أوسع، سترهن القارة العجوز في أزمة بنيوية لا تحمد عقباها. وعليه، تدعو الاستراتيجية المقترحة بروكسل إلى اعتماد نهج جديد يمنع اندلاع الحرب من خلال احتواء إيران وإسرائيل في آن معاً، مع العمل على إبقاء طهران تحت طائلة "الاحتواء" لاحتواء نطاق تهديداتها.
دوائر القلق الأوروبي
يحدد الخبير الأمني في مركز "بروكسل" للأبحاث أربعة أسباب رئيسية تصب في مصلحة تصاعد القلق الأوروبي: انهيار موازين القوى الإقليمية: لقد زال ذلك العامل الذي ظل لعقدين من الزمان يحول دون مهاجمة إيران مباشرة، والمتمثل في المزج بين الخوف الإسرائيلي من رد الفعل الإيراني غير المتوقع، والحذر الأمريكي في التزاماتها تجاه حلفائها. فبعد هجوم أكتوبر 2023، وتحول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى عقيدة "محو التهديد الوجودي"، وعودة دونالد ترامب إلى الواجهة السياسية، انهارت كل الحواجز، وشنت إسرائيل بموافقة أمريكية ضربة مباشرة ضد إيران.
القدرة الإيرانية على تعميم الحرب:
أثبت الرد الإيراني غير المسبوق على الهجوم الإسرائيلي قدرته على اختراق أنظمة الدفاع، كما أن تدمير مصفاة حيفا أرسل رسالة واضحة بعدم تردد طهران في استهداف المنشآت الحيوية. ولم تتردد إيران في توسعة نطاق الضربات ليشمل أهدافاً أمريكية في قطر. هذه التصرفات تحمل للقادة الأوروبيين رسالة استراتيجية: الحرب القادمة لن تكون حرباً محلية، بل ستكون حرباً شاملة تصل تداعياتها إلى الاقتصاد الأوروبي وحلفائه حول العالم.
الجمود القابل للانفجار:
لم تؤدِ الحرب السابقة إلى اتفاق أو استسلام، بل أوصلت الأطراف إلى مأزق خطير. فمع تدمير أجزاء من المنشآت النووية الإيرانية، وانسحاب المفتشين، ومصير مئات الكيلوغرامات من اليورانيوم المخصب المجهول، وفشل إسرائيل في تحقيق أهدافها المعلنة، يصبح الوضع أشبه ببرميل بارود. فإيران لم تتراجع، وإسرائيل لم تحقق نصراً حاسماً، مما يجعل شبح الحرب الثانية أقرب من اي وقت.
القدرة الأمريكية المحدودة والعبء الأوروبي المتزايد:
في الجولة الأولى، استنفذت العمليات العسكرية ربع احتياطيات الصواريخ الاعتراضية الأمريكية، وبلغت التكاليف المادية والبشرية مستويات غير مسبوقة. وتدرك أوروبا، من خلال تقييماتها الدقيقة، أن القدرة الأمريكية على إدارة الأزمات قد تراجعت، مما يعني أن العبء الأكبر للأزمة المقبلة سيتحول تلقائياً نحو القارة العجوز.الاستراتيجية المقترحة: الاحتواء المزدوج لشراء الوقتلم يعد الأوروبيون يعلقون آمالاً على "اتفاق شامل سريع"، أو على "احتواء إيران من خلال العقوبات وحدها". وبدلاً من ذلك، يقترح مركز الأبحاث تبني عقيدة جديدة أطلق عليها اسم "الاحتواء المزدوج لشراء الوقت"، والتي تعتمد على ثلاث ركائز عملية:
احتواء مزدوج:
تجميد النووي مقابل تجميد الهجوم: تقترح الخطة الأوروبية تبادل خطوات عملية صغيرة لكن سريعة: - أن يوقف الغرب مؤقتاً الضغوط النفطية على صادرات إيران إلى الصين.- في المقابل، تواصل إيران تجميد النشاط في بعض منشآت التخصيب. -الشرط الأوروبي الحاسم: ألا تقوم إسرائيل بأي هجمات خلال هذه الفترة. وهي المرة الأولى التي تطرح فيها بروكسل فكرة "كبح إسرائيل" كاستراتيجية لـ "كبح إيران".
دبلوماسية أوروبية متعددة الأطراف بدلاً من الوساطة الأمريكية:
تسعى أوروبا لتطوير آلية الوساطة الحالية المعتمدة على ثلاث دول (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا)، لتصبح آلية أوروبية أوسع. ويشدد الخبراء على ضرورة أن تنشط دول مثل سويسرا والنرويج، ومؤسسات أوروبية أخرى، في "دبلوماسية المكوك" بين طهران وتل أبيب وواشنطن، لسد فجوة الحوار ومنع الانفجار الناجم عن أي خطأ في التقدير من أي طرف.
إشراف خليجي في آلية منع الحرب:
بعد أن أظهرت إيران استعدادها لضرب أهداف في دول الخليج الفارسي مثل قطر، تسعى أوروبا لإنشاء منصة تشمل "الترويكا" الروسية والأمريكية والأوروبية، ومجلس التعاون الخليجي مع مشاركة السعودية وقطر والإمارات، لتحويل "الهاجس المشترك من الحرب" إلى "التزام مشترك بمنعها".
الهدف الحقيقي: احتواء إيران دون حرب
يقر الخبير الأوروبي بأن بروكسل لم تعد تسعى للحل التقليدي، فالأهم الآن هو تجنب ثلاث سيناريوهات كارثية على المصالح الأوروبية:انهيار سوق الطاقة وتعطيل التجارة البحرية العالمية.تقدم إيران سريعاً نحو امتلاك سلاح نووي بعيداً عن رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
انجرار الولايات المتحدة إلى حرب تدفع أوروبا ثمنها الباهظ.وعليه، فإن الهدف الاستراتيجي لأوروبا هو تحقيق "توقف تكتيكي" يحافظ على مستوى مقبول من الردع ضد إيران دون الدخول في حرب، لأن الرهان هذه المرة لم يعد دعم إسرائيل فحسب، بل إن أمن وبقاء المصالح الأوروبية على المحك.
الخلاصة:
أثبتت حرب الـ 12 يوماً أن المنتصر في أي حرب قادمة بين إيران وإسرائيل لن يكون مهماً، لأن الخاسر الحقيقي سيكون أوروبا التي ستدفع ثمناً باهظاً يهدد وجودها ذاته. وبناءً عليه، فإن الطريق الأوروبي الأمثل لمنع الحرب لا يمر عبر التهديد أو الضربة الاستباقية، بل عبر بناء "فترة هدنة" يمكن إدارتها، لإلزام الطرفين بعدم خوض جولة جديدة، على الأقل لفترة تكفي أوروبا لنقل مصالحها الحيوية بعيداً عن ساحة المعركة.
/انتهى/