وكالة تسنيم الدولية للانباء:
ادعى دونالد ترامب 11 مرة خلال 4 أشهر (بمعدل 3 مرات شهرياً) أن قاذفات القنابل الأمريكية دمرت تماماً في ليلة 22 يونيو المنشآت النووية الإيرانية في فردو ونطنز وأصفهان. كان آخر هذه الادعاءات الأسبوع الماضي أمام الكنيست الصهيوني. ومع ذلك، لا تزال الشكوك حول ادعاءات ترامب واسعة الانتشار.
الشكوك الأولية والتقارير الإعلامية
أثيرت الشكوك الأولى من قبل وسائل الإعلام الديمقراطية، حيث ذكرت شبكة "سي إن إن" في اليوم التالي لادعاء ترامب، بناءً على مقابلات مع مصدرين مطلعين، أن النتائج الأولية تتعارض مع ادعاءات ترامب بأن الغارات "دمرت تماماً وبشكل مطلق" منشآت التخصيب النووي الإيرانية.
وفي غضون 48 ساعة من الهجمات، صرح "دان كين"، رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية، أنه بينما لا تزال عمليات تقييم الأضرار جارية، فإن الإدلاء بتصريحات حول ما إذا كانت إيران قد احتفظت ببعض قدراتها النووية أم لا هو أمر "سابق لأوانه".
كما أكد "جيفري لويس"، خبير الأسلحة والأستاذ في معهد ميدلبري للدراسات الدولية، بناءً على الصور الفضائية لمواقع الهجمات: "لا يبدو أن هذه الهجمات قد أنهت البرنامج النووي الإيراني".
وأدى تقرير "سي إن إن" إلى توتر العلاقات بين الشبكة والمكتب الصحفي للبيت الأبيض.
ماذا تقول التقييمات الاستخباراتية؟
كانت الشكوك اللاحقة أكثر إيلاماً، بما في ذلك تقييم وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية (DIA) الذي أكد أنه على الرغم من أن الهجمات التي وقعت يوم السبت على المواقع النووية في فردو ونطنز وأصفهان أحدثت أضراراً كبيرة، إلا أنها لم تُدمر بالكامل.
كما أظهر هذا التقييم أن جزءاً على الأقل من اليورانيوم عالي التخصيب الإيراني قد نُقل خارج عدة مواقع قبل الهجمات الأمريكية، ووفقاً للمصادر، بقي سليماً، وأن أجهزة الطرد المركزي الإيرانية سليمة إلى حد كبير.
ردود الفعل الغاضبة من البيت الأبيض
استشاطت "كارولين ليفيت"، المتحدثة باسم البيت الأبيض، غضباً رداً على هذا التقييم، قائلة: "الكشف عن هذا التقييم المزعوم هو محاولة صارخة للإساءة إلى الرئيس ترامب وتقويض مصداقية طياري مقاتلاتنا الشجعان الذين نفذوا مهمة لا تشوبها شائبة لتدمير البرنامج النووي الإيراني".
ووجد ترامب نفسه وحيداً في ادعائه، مما دفعه إلى زيادة إصراره أكثر فأكثر، بما في ذلك في منشوراته اللاحقة على منصة "تروث" الاجتماعية وفي مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض بعد 3 أيام من القصف.
انتقادات ترامب للإعلام
انتقد الرئيس الأمريكي بشدة في هذا المؤتمر الصحفي الصحفيين الذين كانوا أول من أبلغ عن التقييم الأولي لوكالة استخبارات الدفاع بأن الهجمات الأمريكية لم تدمر الأهداف بالكامل.
كما انتقد وزير حرب الولايات المتحدة، الذي كان يتحدث في مؤتمر صحفي لحلف الناتو إلى جانب ترامب، ما وصفه بـ "الأخبار المزيفة" ودافع عن الضربات الجوية. كان غاضباً جداً في هذا المؤتمر لدرجة أنه قال: "إذا كنت تريد تقييم ما حدث في فردو، فمن الأفضل أن تأخذ مجرفة كبيرة وتنزل إلى عمق الأرض، لأن البرنامج النووي الإيراني قد دمر بالكامل".
كان خطابه وترامب موجهين إلى صحف "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"سي إن إن" التي نقلت عن تقرير استخباراتي عسكري لوكالة استخبارات الدفاع الأمريكية أن التقييم الاستخباراتي الأولي يُظهر أن القصف الأمريكي لم يتمكن من تدمير المنشآت النووية الإيرانية تحت الأرض.
الصور الفضائية تفضح ادعاءات ترامب
لم يكن ترامب راضياً بعد. في 29 يونيو 2025، ادعى ترامب مرة أخرى في مقابلة مع "فوكس نيوز" أن المواقع النووية الإيرانية قد دمرت، قائلاً: "كان أمامهم بضعة أسابيع فقط لصنع سلاح، والآن تأخروا سنوات". ثم استخدم مرة أخرى في 21 يوليو، و7 أغسطس، و23 سبتمبر، و14 أكتوبر مصطلحات مثل "مدمرة بالكامل" و"مُدمرة" و"مُبادة". في المقابل، واصلت وسائل الإعلام التحدث مع خبراء عسكريين ومتخصصين نوويين.
تقارير إعلامية مستقلة تدحض الادعاءات
في 17 يوليو، ذكرت "إن بي سي" في تقرير استند على مقابلات مع 5 مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين أن "أحد مواقع التخصيب النووي الثلاثة في إيران التي تعرضت للهجوم الشهر الماضي من قبل الولايات المتحدة قد دمر إلى حد كبير وأعاق الأنشطة هناك بشكل كبير. لكن الموقعين الآخرين لم يتضررا بشدة وقد يكونان قد دمرا جزئياً فقط، بحيث يمكن استئناف التخصيب النووي في غضون الأشهر القليلة المقبلة إذا رغبت إيران".
تلت ذلك تقارير من "بي بي سي" روت جانباً من رواية تدمير المنشآت النووية الإيرانية، لكنها أكدت أن مصادر مطلعة على التقييم الاستخباراتي لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) قالت إن "الضرر اقتصر على الهياكل فوق الأرض فقط".
موقف مراكز الأبحاث
باستثناء ترامب ونتنياهو و"هيغست" (وزير الحرب الأمريكي)، لم يوافق أحد على نجاح الهجمات الأمريكية في تدمير البرنامج النووي الإيراني. حتى مراكز الأبحاص تصدت لترامب.
وتب مركز "بروكينغز" في تقرير بعد 3 أيام من الهجوم: "بدون صور عالية الجودة أو عمليات تفتيش فعلية على الأرض، لا نعرف ما إذا كانت إيران قد نجحت في إخفاء ما يكفي من المواد النووية للحد من أي نكسة في برنامجها النووي أم لا".
هذه الجمل قالها "مارا كارلين"، الباحثة الزائرة في بروكينغز والمساعدة السابقة لوزير الحرب الأمريكي للشؤون الاستراتيجية، مضيفة: "لم تكن القوة العسكرية هي الأداة الأكثر فعالية لاحتواء برنامج الأسلحة النووية الإيراني، بل كان خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) التي تم توقيعها في عام 2015 وانسحبت منها إدارة ترامب الأولى في عام 2018 هي الأداة الأكثر فعالية".
تحليلات مراكز الدراسات الاستراتيجية
لم تسر الأمور على ما يرام لترامب على الإطلاق. في 6 أغسطس، أكد مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية (CSIS) من خلال تحليل دقيق للصور الفضائية أنه على الرغم من عدم وجود علامات كبيرة على استئناف أنشطة التخصيب في المواقع الرئيسية، إلا أنه لا يزال من غير الواضح حجم مخزون أجهزة الطرد المركزي والأصول المرتبطة بها التي تمتلكها إيران أو مكان تخزين هذه الأصول. أكد تقرير مركز الأبحاث هذا أن القدرة على إعادة بناء البرنامج النووي الإيراني لا تزال قائمة، وإن لم تكن على النطاق السابق.
تقرير جمعية مراقبة الأسلحة
بعد أسبوعين من الهجمات، أكدت جمعية مراقبة الأسلحة، وهي مؤسسة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة، في تقرير أولاً على أن "إيران حافظت على قدرتها على صنع أسلحة نووية والمواد الحيوية الخاصة بها لإعادة بناء برنامجها، على الرغم من ادعاء الرئيس الأمريكي بأن برنامج إيران النووي قد 'دمر' بواسطة الهجمات الأمريكية والإسرائيلية". وثانياً، كتبت: "بالنظر إلى عدم قابلية المعرفة التي اكتسبتها إيران حول دورة الوقود وجهود الأسلحة النووية قبل عام 2003 للعكس، فإن تدمير البرنامج النووي الإيراني هو أمر مستحيل".
وعد أسبوع، كتب معهد الدراسات الاستراتيجية الدولية (IISS) الذي يتخذ من لندن مقراً له، في تقرير بقلم خبيرين نوويين: "المواد والبنية التحتية الحالية لإيران تضررت ولكن لم يتم تدميرها. ومع ذلك، هناك قدر كبير من عدم اليقين حول المدى الدقيق والطبيعة الدقيقة للضرر، خاصة فيما يتعلق ببنيتها التحتية الواسعة تحت الأرض".
سبب أوهام ترامب
كتب محرر "سي إن إن" في تلك الأيام التي اشتد فيها الخلاف مع ترامب: "ترامب يصر على أن يصدق العالم أن المنشآت النووية الإيرانية قد دمرت، أولاً لأنه يريد أن يظهر نفسه كشخصية حاسمة، فريدة ولا تقهر؛ ثانياً، إذا شاب ادعاءه أي شكوك، فحينها سيسأل العالم: إذا لم تكن المنشآت النووية الإيرانية قد تضررت بالطريقة التي يدعيها ترامب، فما الحاجة للتدخل العسكري لمثل هذا العمل؟"
إن الإصرار 11 مرة على تدمير المنشآت النووية الإيرانية خلال 4 أشهر هو في الواقع محاولة من ترامب لتصوير هذا الإجراء الخاص به على أنه استمرار لأعماله الفريدة والاستثنائية، حتى لو كانت الصور الفضائية والتقارير الاستخباراتية والتقييمات الفنية ضده. علاوة على ذلك، لا ينبغي نسيان أن قضية إيران لا تزال واحدة من أهم موضوعات السياسة الخارجية لترامب. إذا تم التشكيك في ادعائه الأولي بشأن نجاح الهجوم على المنشآت النووية مع الضجة والدعاية التي يتميز بها، فإن مصداقية ترامب في التعامل مع إيران ستتعرض لضرر أكبر مما هو عليه الواقع اليوم. إذا كان لا بد من التصديق على "السلام من خلال القوة"، فإن ترامب يحتاج إلى "تصديق الكذبة" ليبدو حقاً كواحد من أكثر السياسيين عدوانية الذين شهدهم التاريخ، مستحقاً للحصول على جائزة نوبل للسلام.
/انتهى/