وكالة تسنيم الدولية للانباء:
، قامت حكومة كيان الاحتلال الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي، في خطوة غير مسبوقة ومثيرة للجدل، بتغيير الاسم الرسمي للحرب التي بدأت في السابع من أكتوبر 2023، من "السيوف الحديدية" (Iron Swords) إلى "تِكوما" (Tekumah) أو "القيامة / النهضة".
هذا القرار، الذي ينتهك التقليد المتبع منذ زمن طويل في تسمية العمليات العسكرية من قبل الجيش، هو أكثر من مجرد تغيير لفظي بسيط، ويُعتقد أنه يفتح أمام العديد من المراقبين مجال معركة سياسية وسردية جديدة في المجتمع الإسرائيلي المتعدد والمأزوم.
يبدو أن هذه الخطوة هي محاولة متعددة الأوجه من قبل نتنياهو للسيطرة على سردية الحرب، والهروب من مسؤولية الهزيمة التاريخية في السابع من أكتوبر، وترسيخ إرثه السياسي عشية انتهاء الصراع المحتمل والانتخابات المقبلة.
كسر التقليد والاستئثار بالسردية
وفقًا للممارسة المعتادة في إسرائيل، يقع اختصاص تسمية العمليات العسكرية ضمن صلاحيات الجيش. وقد تم اختيار اسم "السيوف الحديدية" من قبل جيش هذا الكيان لهذه الحرب. إن التدخل المباشر من قبل الحكومة ورئيس الوزراء شخصيًا في هذا المجال وفرض اسم جديد يمثل انقطاعًا واضحًا عن هذا التقليد.
هذا الإجراء يحمل في ذاته رسالة واضحة: نتنياهو يسعى إلى أن تكون المؤسسة السياسية تحت قيادته، وليس المؤسسة العسكرية، هي من يكتب السردية النهائية للحرب. كما أن اختيار مصطلح "القيامة / النهضة" هو أمر هادف تمامًا.
هذا المفهوم يحمل معنى خاصًا للصهاينة، حيث سبق أن أطلقوا على تأسيس الكيان الإسرائيلي المغتصب في عام 1948 اسم "القيامة". وقد أعلن نتنياهو في اجتماع الحكومة: "لقد نهضنا من كارثة السابع من أكتوبر، لقد كانت هذه الحرب هي حرب نهضة إسرائيل."
أهداف ودوافع متعددة الطبقات لنتنياهو
صنع سردية انتصار:
الهدف الأول والأهم هو إعادة كتابة تاريخ العامين الماضيين. يحاول نتنياهو، من خلال تغيير الاسم، نقل نقطة تركيز الرأي العام من "الكارثة والهزيمة" الأولية إلى "الانتصار والنهضة" النهائية. وهذا يسمح له، على الرغم من التكاليف البشرية والاقتصادية الباهظة وعدم تحقيق الأهداف المعلنة للحرب بشكل كامل، بالمطالبة بالانتصار.
الإعلان غير الرسمي عن نهاية الحرب وترسيخ المكاسب:
من خلال إعطاء اسم دائم ونهائي للحرب، يعلن نتنياهو بشكل ضمني عن انتهائها. وهذا الإجراء يمكنه من "ترسيخ" المكاسب الحالية وتقديم نفسه كقائد حول الهزيمة إلى انتصار. وهذا الأمر مهم بشكل خاص في ضوء "الهدنة الهشة للغاية" وعودة حماس إلى شوارع غزة، وهو محاولة استباقية لإغلاق ملف الحرب قبل حدوث المزيد من التطورات السلبية.
الهروب من مسؤولية هزيمة السابع من أكتوبر:
هذا الدافع هو الجزء الأكثر أهمية وإثارة للجدل في القضية. على مدار العامين الماضيين، حاول نتنياهو باستمرار إلقاء مسؤولية الهزيمة على عاتق المؤسسات العسكرية والأمنية (الشاباك، أمان، والجيش) وتبرئة نفسه وحكومته السياسية. وقد حال دون تشكيل لجنة تحقيق حكومية مستقلة تمتلك سلطة التحقيق مع المسؤولين السياسيين ليتجنب المساءلة. إن تغيير اسم الحرب إلى "النهضة" هو الحلقة الأخيرة في هذه السلسلة؛ فمن خلال إعلان "نهاية منتصرة"، يأمل في إسكات المطالبات بالمحاسبة حول "بداية الحرب الكارثية"، خاصة مع اقتراب إسرائيل من أجواء الانتخابات.
ردود الفعل على سردية نتنياهو
المؤيدون (أعضاء الحزب والحلفاء): أشاد وزراء حزب الليكود وأنصار نتنياهو بهذه الخطوة ووصفوها بأنها مشابهة لتسمية حروب تاريخية أخرى مثل "حرب الأيام الستة" أو "حرب الاستقلال" التي أخذت أسماءها بعد وقوعها. وهم يكررون بدورهم سردية "النهوض من الكارثة نحو النهضة".
المعارضون داخل الحكومة:
يظهر الانقسام حتى داخل حكومة نتنياهو اليمينية. حيث اعتبر عميحاي شيكلي (وزير شؤون الشتات)، في إشارة إلى أن مفهوم "النهضة" ينتمي إلى تأسيس إسرائيل عام 1948، أن هذه التسمية غير مناسبة. كما عارضت أوريت ستروك (وزيرة المستوطنات)، باعتبارها الصوت المعارض الوحيد، بشكل أكثر وضوحًا وحذرت من أن أهداف الحرب لم تتحقق بعد وأن إعلان الانتصار سابق لأوانه.
المعارضة السياسية:
وصف يائير لابيد، زعيم المعارضة، هذا الإجراء ليس بأنه "حرب النهضة" بل "حرب الهروب من المسؤولية"، مؤكدًا أن هذه الحرب ستدون في التاريخ إلى الأبد باسم "كارثة السابع من أكتوبر".
عائلات الأسرى والضحايا:
أدانت هذه المجموعة، التي تمثل واحدة من أقوى الأصوات الناقدة في المجتمع الإسرائيلي، هذا الإجراء واعتبرته محاولة لـ"إنهاء الحرب رمزيًا" بينما مصير أحبائهم لا يزال مجهولاً.
المؤسسات العسكرية والإعلام:
أعلنت وزارة حرب الكيان الصهيوني أنها ستتعامل بناءً على رغبة العائلات في شواهد قبور القتلى، مما يشير إلى مسافة ضمنية عن هذا القرار. كما وصفته وسائل الإعلام الناقدة مثل صحيفة "هآرتس" بشدة ليس بأنه "نهضة إسرائيل" بل "نهضة نتنياهو الشخصية" ومحاولة يائسة للبقاء في السلطة.
خاتمة
إن تغيير اسم حرب غزة من "السيوف الحديد" إلى "القيامة" أو "النهضة" هو مناورة سياسية محسوبة من قبل بنيامين نتنياهو تهدف إلى أكثر من مجرد تغيير بسيط. هذا الإجراء هو في جوهره محاولة للسيطرة الحصرية على السردية التاريخية للحرب، ومحو وصمة عار هزيمة السابع من أكتوبر من سجله السياسي، وبناء إرث منتصر.
ومع ذلك، فإن ردود الفعل العنيفة من المعارضة وعائلات الضحايا والإعلام وحتى جزء من الحكومة تظهر أن هذه السردية الرسمية تواجه مقاومة جدية. بينما يسعى نتنياهو إلى إغلاق ملف الحرب بختم "القيامة" أو "النهضة"، فإن العديدين في إسرائيل مصممون على إبقاء هذا الفصل من التاريخ مفتوحًا بعنوان "الهزيمة وعدم المحاسبة". إن المستقبل السياسي لإسرائيل ومصير نتنياهو يعتمد بشكل كبير على أي من السرديتين ستسود في النهاية في الرأي العام.
/انتهى/