.
قوات الدعم السريع هي ميليشيا مسلحة نشأت من مليشيات الجنجويد القبلية العربية، ويُعزى تأسيسها إلى موسى هلال من قبيلة الزريقات، وهو ابن عم قائدها الحالي محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي". بدأت هذه القوات نشاطها العسكري في إقليم دارفور عام 2003، حيث تعاونت مع الجيش السوداني، لكنها في الوقت نفسه ارتكبت جرائم واسعة ضد المدنيين شملت القتل والحرق والسلب والنهب.
أقرت الدولة السودانية رسميًا بوجود قوات الدعم السريع عام 2013، وأوكلت إليها مهام مكافحة التمرد وحماية الحدود، لكن طبيعتها الميليشياوية منحتها دورًا شبه مستقل عن القوات النظامية. ومع مرور الوقت، أصبحت هذه القوات تتمتع باستقلال مالي وعسكري كبير، إذ سيطرت على مناجم الذهب والمشاريع الاقتصادية، وحصلت على دعم خارجي من الإمارات والكيان الإسرائيلي، ما عزز نفوذها السياسي والعسكري داخل السودان وخارجه.
خلال السنوات الماضية، استخدمت قوات الدعم السريع نفوذها لإضعاف الدولة، فشاركت في تهديد الجيش النظامي وأطراف سياسية أخرى، ونشرت الفوضى وزادت من حدة النزاعات القبلية. كما لعبت دورًا في الحروب الخارجية، مثل الحرب التي شنتها السعودية والإمارات على اليمن، حيث أرسلت مقاتلين ضمن صفقات دعم مالي وتسليحي مع أبوظبي.
وأظهرت الخلافات المتصاعدة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني طبيعتها كقوة متمردة، إذ اندلعت اشتباكات عنيفة بين الطرفين في أبريل 2023، بعد محاولات دمجها ضمن القوات المسلحة. كما سيطرت قوات الدعم السريع على الموارد الاقتصادية الحيوية مثل الذهب، وأنشأت شركات استثمارية خارج السودان، ما عزز قدرتها على التمويل الذاتي واستقلالها عن الدولة.
تورطت هذه القوات في أحداث عنف داخل المدن، أبرزها فض اعتصام القيادة العامة في الخرطوم عام 2019، الذي أسفر عن عشرات القتلى والمفقودين، إضافة إلى اتهامات برمي الجثث في النيل. كما حاولت التأثير على العملية السياسية من خلال دعم أو عرقلة الحكومات، وبقي ولاؤها مرتبطًا بشخص حميدتي والقبائل المؤيدة له، لا بالدولة رغم إدماج بعض عناصرها في الجيش.
حصل حميدتي على دعم "إسرائيلي" وغربي، رغم اتهامات الإعلام الغربي له بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وذلك لخدمة المصالح الاستراتيجية للكيان الإسرائيلي في السودان. وكشفت صحيفة "هآرتس" في مايو 2022 أن "إسرائيل" زودت قوات الدعم السريع بمنظومات اتصالات وتجسس استخدمتها في دارفور بعيدًا عن مراقبة الجيش، لضمان اتصال آمن وسري بين قيادتها ومصادر دعمها الخارجي.
يشكل السودان هاجسًا استراتيجيًا لكل من الكيان الإسرائيلي والإمارات، نظرًا لموارده الزراعية والغذائية الغنية، ما يجعل الدعم الخارجي لقوات الدعم السريع دعمًا استراتيجيًا يهدف إلى السيطرة غير المباشرة على هذه الموارد. وعلى الرغم من مرونة السودان السابقة تجاه التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، فإن تل أبيب أصرت على تفكيك السودان ودعم النزاعات المسلحة داخله لتحقيق مصالحها، بينما تبنت الإمارات هذا المسار وقدمت له دعمًا سياسيًا وماليًا واسعًا عبر حلفائها المحليين.
وهكذا، تحولت قوات الدعم السريع من ميليشيا قبلية محدودة النفوذ إلى قوة عسكرية واقتصادية ضخمة، تلعب دورًا مركزيًا في الصراع على السلطة والثروة في السودان، وتخدم في الوقت ذاته أجندات إقليمية ودولية تسعى لإعادة رسم خريطة النفوذ في القرن الأفريقي.
/إنتهى/