العقيدة المشتركة بين ترامب وكيان الإحتلال: دمج السياسة الأمريكية في المشروع الصهيوني!

تخلّت الولايات المتحدة عن دور الوسيط لتصبح شريكًا مباشرًا في تنفيذ الأجندة الإسرائيلية، من خلال قرارات مثل الاعتراف بالقدس و"صفقة القرن" واتفاقات أبراهام. هذا التحالف عزّز نفوذ الكيان في السياسة الأمريكية، وجسّد مرحلة جديدة من التداخل الأيديولوجي بين اليمينين الأمريكي والإسرائيلي.

 

مثّلت رئاسة دونالد ترامب نقطة تحوّل جوهرية في تاريخ العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، إذ انتقل التحالف الاستراتيجي التقليدي بين الجانبين إلى ارتباط عقائدي يقوم على التماهي الكامل في الموقف والرؤية. خلال هذه المرحلة، تخلّت الولايات المتحدة عن دورها التقليدي كوسيط في الصراع العربي–الإسرائيلي، لتصبح شريكًا مباشرًا في تنفيذ الأجندة الإسرائيلية في المنطقة.

تجلّى هذا التحوّل بوضوح من خلال قرارات غير مسبوقة، مثل الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، وشرعنة الاستيطان، والاعتراف بضمّ الجولان، وهي خطوات لم تجرؤ عليها أي إدارة أمريكية سابقة. وقد لعب ترامب شخصيًا دورًا مركزيًا في صياغة الموقف الأمريكي من داخل عقل اليمين الإسرائيلي، مستعينًا بشخصيات مقربة منه مثل جاريد كوشنر وديفيد فريدمان.

وجاءت "صفقة القرن" عام 2020 كتتويج لهذا التوجه، إذ حوّلت القضية الفلسطينية من قضية تحرّر وحقوق إلى مشروع اقتصادي يُسوّق تحت شعار "السلام مقابل الازدهار". وفي الوقت ذاته، تحوّل الكيان الإسرائيلي من مجرّد متلقٍ للدعم الأمريكي إلى مؤثر فعلي في القرار السياسي داخل واشنطن، من خلال تحالف أيديولوجي غير مسبوق.

وجد ترامب في اليمين الإسرائيلي انعكاسًا لمشروعه الشعبوي "أمريكا أولًا"، فيما رأى نتنياهو في ترامب الزعيم الذي يمنحه الغطاء الدولي اللازم لسياساته التوسعية. كما استخدمت الإدارة الأمريكية المساعدات السنوية المقدّرة بـ3.8 مليارات دولار كورقة ضغط لفرض رؤيتها الإقليمية، وربط استمرار الدعم بالتطبيع العربي مع الكيان الإسرائيلي.

وقد شكّلت "اتفاقات أبراهام" ذروة النفوذ الترامبي في الشرق الأوسط، إذ منحت الكيان شرعية إقليمية ومكاسب استراتيجية غير مسبوقة على حساب القضية الفلسطينية. وعلى الصعيد الرمزي، جسدت زيارة ترامب للكنيست الإسرائيلي إعلانًا صريحًا عن تحوّله من "حليف خارجي" إلى "فاعل داخلي" في السياسة الإسرائيلية.

قدّم ترامب نفسه كقائد عالمي يعيد للكيان مجده، موجّهًا رسائل حادة للعرب وإيران وأوروبا بأن واشنطن لن تسمح بأي منافسة في إدارة الشرق الأوسط. كما ألغت سياساته مفهوم التسوية السياسية، مستبدلًا إياه بمشروع "السلام الاقتصادي" القائم على الأمن والتطبيع، لا على العدالة والحقوق.

ورغم هذا التداخل الكبير بين الطرفين، ظلّت بعض مؤسسات الدولة الأمريكية، مثل البنتاغون ووزارة الخارجية، تحافظ على مسافة محدودة خشية انفجار إقليمي غير محسوب. ومع ذلك، دشّن ترامب مرحلة جديدة من "التحكم المتبادل" بين واشنطن وتل أبيب، حيث تمتلك الأولى المال، بينما تمتلك الثانية السردية والعقيدة التي أسهمت في تشكيل هوية أمريكا الجديدة: يمينية، دينية، وتوسعية.

/إنتهى/