وكالة تسنيم الدولية للأنباء - أمل شبيب - في درب الجهاد والمقاومة يسقط القائد وتبقى مسيرته نبراساً يضيء درب الأجيال، وتزهق روحه الشجاعة لتبقى أفكاره وقيمه حية في ضمير الأمة.
هكذا كان استشهاد القائد "السيد أبو علي" هيثم الطباطبائي ، الذي اغتالته آلة القتل الصهيونية في عملية جبانة، ليضيف صفحة جديدة إلى سفر المقاومة الخالد، وليؤكد أن دماء الشهداء هي التي ترسم ملامح المستقبل وتصنع مسيرة التحرير.
سيرة القائد: من النشأة إلى الشهادة
نشأ القائد أبو علي الطباطبائي في بيئة مجتمعية مؤمنة بقضية المقاومة، وتربى على قيم الجهاد والتضحية، فكانت بداياته مع المقاومة الإسلامية في لبنان تمثل انعكاساً طبيعياً لإلتزامه الفكري والعملي بقضايا أمته. عبر مسيرته النضالية الطويلة، ارتقى القائد في صفوف المقاومة بفضل ما تمتع به من كفاءة عسكرية ميدانية نادرة، وقدرة قيادية فذة، وحكمة في إدارة المعارك، جعلته أحد أبرز القادة الميدانيين الذين ساهموا في تطوير أداء المقاومة ورفع قدراتها القتالية.
لم يكن القائد الشهيد مجرد عسكري محترف، بل كان مفكراً استراتيجياً يدرك أن المعركة مع العدو الصهيوني معركة وجودية، تتطلب بناء القدرات على جميع المستويات. وقد ترك بصمات واضحة في تطوير أساليب القتال، وابتكار طرق جديدة في المواجهة، والإشراف على عمليات نوعية شكلت نقاط تحول في مسيرة المواجهة.

صناعة التاريخ: لماذا يغتال الكيان الصهيوني القادة؟
تمثل عمليات الاغتيال التي ينفذها الكيان الصهيوني ضد قادة المقاومة في لبنان اعترافاً صريحاً بقيمة القيادة في صناعة التاريخ وتغيير موازين القوى. فالكيان يدرك أن القائد ليس مجرد فرد، بل هو مشروع متكامل، ورمز للمقاومة، وعقل استراتيجي قادر على قراءة المستقبل واستشراف آفاق التطور. وعندما يغتال الكيان قادة مثل أبو علي الطباطبائي، فهو يعلم أنه يغتال تجربة نضالية متراكمة، وذاكرة جماعية حيّة، وقدرة على صناعة الفارق في ساحات المواجهة.
إن استهداف القادة يعكس الخوف الإسرائيلي من تحولهم إلى نماذج ملهمة للأجيال الشابة، فكل قائد يشكل مدرسة في الفكر والمقاومة، وكل شهيد يترك فراغاً يستحيل ملؤه. كما أن الكيان يدرك أن القيادات الميدانية تمتلك المعرفة العميقة بأسرار المواجهة، والإلمام بخصوصيات ساحات القتال، والقدرة على تطوير استراتيجيات مبتكرة تزيد من فعالية المقاومة وتصعد من قدراتها الردعية.
حزب الله ينعى الشهيد القائد الجهادي الكبير هيثم علي الطبطبائي
القسام تنعى الشهيد الطبطبائي وتشيد بما قدمه لإسناد الشعب الفلسطيني ومقاومته
المقاومة في لبنان: مصدر الرعب الإسرائيلي المستمر
تشكل المقاومة في لبنان نموذجاً فريداً في مواجهة المشروع الصهيوني، فهي مقاومة شعبية جذرية تنبع من إرادة جماهيرية حقيقية، وتعبر عن هوية وطنية راسخة لا تقبل المساومة. لقد استطاعت المقاومة أن تتحول من حركة دفاعية إلى قوة ردع استراتيجية، تمتلك منظومة متكاملة من القدرات النوعية التي تمكنها من فرض معادلات جديدة في موازين القوى.
تمتلك المقاومة ترسانة متطورة من الأسلحة الدقيقة التي تهدد عمق الكيان الصهيوني، كما طورت أساليب قتالية مبتكرة تعتمد على الحرب غير التقليدية، مستفيدة من الجغرافيا اللبنانية المليئة بالتضاريس التي تشكل بيئة مثالية لعمليات الكر والفر. وقد أثبتت التجارب الميدانية أن المقاومة قادرة على ابتكار أساليب جديدة في القتال تتلاءم مع طبيعة المواجهة غير المتكافئة.

القيادة في فكر المقاومة: من البناء إلى التغيير
تمثل القيادة في فكر المقاومة الركيزة الأساسية لعملية البناء والتغيير، فالقائد الحقيقي هو الذي يستطيع تحويل التحديات إلى فرص، والهزائم إلى انتصارات، والعقبات إلى سلم للصعود. لقد أدركت المقاومة أن القيادة الفعالة هي التي تبني المؤسسات وتطور الكوادر وتخلق البدائل، ولهذا أولت اهتماماً كبيراً لمسألة إعداد القيادات وتأهيلها على جميع المستويات.
لقد انتقلت المقاومة من منطق رد الفعل إلى منطق المبادرة، ومن ثقافة الصمود إلى ثقافة التغيير، ومن مرحلة الدفاع عن الوجود إلى مرحلة بناء القدرات. وهذا التحول النوعي لم يكن ليتحقق لولا وجود قيادات استراتيجية تمتلك رؤية واضحة، وإرادة صلبة، وقدرة على تحمل المسؤولية في أحلك الظروف.

استمرار المقاومة: الفكرة التي لا تموت
تمثل المقاومة فكرة متجذرة في ضمير الأمم، وهي ليست مرتبطة بأشخاص معينين أو مرحلة زمنية محددة. فالفكرة "المقاومة" تنبع من إرادة الشعوب في التحرر والكرامة، وتستمد قوتها من عدالة القضية التي تناضل من أجلها. لقد أثبتت المسيرة النضالية عبر التاريخ أن استشهاد القادة لا يعني نهاية المقاومة، بل يشكل محطة انتقالية تنتقل فيها الفكرة من جيل إلى جيل، متجددة في أشكالها وأساليبها، ثابتة في مبادئها وأهدافها.
يشكل استشهاد القادة مثل أبو علي الطباطبائي وقوداً يضخ مزيداً من العزيمة والإصرار في شرايين المقاومة. فكل شهيد يترك خلفه إرثاً نضالياً يتحول إلى مدرسة تخرج أجيالاً جديدة من المقاومين.
لقد علمتنا تجارب النضال أن الدماء الزكية التي تسكب على درب الحرية لا تذهب سدى، بل تتحول إلى شعلة تضيء الطريق للأجيال القادمة، وتغذي شجرة المقاومة التي تزداد اخضراراً وعطاءً مع مرور الوقت.
تطورت المقاومة لتصبح نظاماً مؤسسياً متكاملاً، يعتمد على هياكل تنظيمية راسخة وآليات عمل دقيقة. هذا النظام القائم على التخطيط الاستراتيجي وإعداد الكوادر وتوزيع الأدوار، يضمن استمرارية العمل المقاوم رغم كل الضربات. فالمقاومة اليوم تمتلك قدرة ذاتية على تجديد خلاياها، وإعادة بناء هياكلها، وتطوير أدواتها، وتمتلك قدرة فائقة على استقطاب الأجيال الجديدة وتأهيلهم لحمل المشعل. فكل جيل يضيف لمساته الإبداعية إلى تراث المقاومة، مطوراً أساليبها، معززاً قدراتها، مبدعاً في وسائل مواجهته للتحديات المستجدة. هذه الاستمرارية في تجديد الدماء والطاقات هي التي تجعل المقاومة دائمة الشباب، متجددة الحيوية، قادرة على مواكبة متغيرات العصر دون أن تفصلها عن جذورها وأصولها.
تكمن قوة الفكرة في المقاومة في قدرتها على الانتشار كالعدوى في وجدان الشعوب، فتصبح سلوكاً جماعياً وثقافة مجتمعية راسخة. هذه الفكرة تتحول إلى إرادة جماعية لا يمكن قهرها، وإلى وعي جمعي لا يمكن محوه. لقد شهدنا كيف تنتقل روح المقاومة من جيل إلى جيل، ومن منطقة إلى أخرى، كالشعلة التي لا تنطفئ، متحدية كل محاولات القمع والإبادة.

الخاتمة: استشهاد القائد.. ولادة جديدة للمقاومة
يمثل استشهاد القائد أبو علي الطباطبائي محطة جديدة في مسيرة المقاومة، فهو ليس نهاية لمسار، بل بداية لمرحلة جديدة من الجهاد. فدماء الشهداء تظل الوقود الذي يغذي مسيرة التحرير، والشعلة التي تنير درب الأحرار. إن القائد الشهيد يغادر ساحة المعركة جسداً، لكنه يبقى فيها روحاً وفكراً ومسيرة، تنتقل من جيل إلى جيل، حتى تتحقق النصر الحتمي.
تبقى المقاومة قدر الشعوب الحية التي ترفض الظلم وتتوق إلى الحرية. وهي ليست خياراً مرحلياً، بل ضرورة وجودية تستمد شرعيتها من حق الدفاع عن الأرض والهوية والكرامة. ورغم كل عمليات الاغتيال والمحاولات اليائسة لكسر إرادة المقاومة، تظل الفكرة حية في الضمائر، متجددة في العزائم، قادرة على تجاوز كل التحديات والصعاب. فالمقاومة فكرة، والفكرة لا تموت.
لقد أثبتت المقاومة في لبنان، من خلال قادتها وشهدائها، أن إرادة الشعوب أقوى من كل آلات الحرب، وأن المستقبل يصنعه أولئك الذين يرفضون الانحناء، ويصرون على كتابة تاريخهم بأحرف من نور وعزيمة. وسيظل القائد أبو علي الطباطبائي رمزاً من رموز هذه الإرادة، وشاهداً على أن المقاومة طريق النصر، وأن الشهادة بوابة الخلود.
/انتهى/