لماذا لا تثق ايران في الوكالة الدولية للطاقة الذرية ؟
- الأخبار ایران
- 2025/11/26 - 00:12
وكالة تسنيم الدولية للانباء:
في جلسة مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتاريخ 29 نوفمبر، تم اعتماد مسودة قرار معادٍ لإيران أعدت بمبادرة من ثلاث دول أوروبية وبدعم مباشر من الولايات المتحدة؛ قرار سياسي بوضوح كان معلوماً منذ البداية أنه صمم ليس لحل القضية بل لتكثيف الضغط وخلق أزمة مصطنعة ضد إيران. تمت المصادقة على هذه الوثيقة بـ 19 صوتاً مؤيداً دون أن يُشار ولو لمرة واحدة إلى سجل التعاون المستمر والشفاف والمتجاوز للالتزامات الذي أظهرته إيران مع الوكالة. الحقيقة أنه لا يوجد بلد بين أعضاء معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية خلال العقدين الماضيين خضع للتحقق والتفتيش بقدر إيران، وقد أكدت التقارير الفنية المتعددة للوكالة ذلك.
مع ذلك، لا توجد في هذا القرار حتى جملة واحدة عن الاعتداءات الصارخة للولايات المتحدة والكيان الصهيوني على المنشآت النووية السلمية الإيرانية؛ هجمات طابعها غير قانوني بالكامل، ومهدد لنظام الضمانات، ومخالف بوضوح لمبدأ "عدم استخدام القوة" في ميثاق الأمم المتحدة. صمت أمانة الوكالة والمدير العام تجاه هذه الهجمات وامتناعهم عن إدانة تدمير المنشآت الخاضعة للضمانات، يظهر أن الوكالة في اللحظات الحاسمة لم تدافع فقط عن استقلاليتها المهنية بل تراجعت بالكامل أمام الضغوط السياسية الغربية. هذا الصمت الانتقائي حول الوكالة عملياً من هيئة فنية محايدة إلى أداة لتحقيق أهداف سياسية للقوى الغربية.
رد فعل موسكو وبكين على القرار المعادي لإيران
يؤكد رد فعل روسيا على هذا المسار الحقيقة نفسها. أعلنت موسكو أنه لم يكن هناك أي ضرورة فنية لاتخاذ إجراء عاجل من قبل مجلس المحافظين وأن مثل هذا الطلب لم يُطرح حتى من قبل الوكالة نفسها. ذكرت روسيا أن إيران، على الرغم من الهجمات العسكرية الأمريكية والصهيونية، ظلت ملتزمة بتعهداتها بموجب معاهدة عدم الانتشار واتفاق الضمانات بل ووسعت نطاق تعاونها في مجال التحقق. هذه نقطة مهمة: بينما كانت إيران تتعرض للهجوم، كانت تتعاون؛ لكن الوكالة لم تتخذ حتى موقفاً رمزياً ضد المهاجمين.
كما تبنت الصين موقفاً واضحاً وغير معتاد ووصفت هجمات الكيان الصهيوني والولايات المتحدة على المنشآت الإيرانية الخاضعة للضمانات بأنها "عمل غير مغتفر" يجب على المجتمع الدولي إدانته. أكدت بكين أن الوكالة وإيران توصلتا إلى اتفاق في القاهرة لاستئناف مسار التعاون لكن الدول الأوروبية الثلاث، من خلال تفعيل آلية الزناد ثم متابعة القرار المعادي لإيران، دمرت عملياً إمكانية إعادة بناء الثقة. أشارت الصين بحق إلى أنه لا يمكن حل القضية عبر الدبلوماسية إلا إذا تم الاعتراف بالحقوق المشروعة لإيران وامتنعت الوكالة عن السلوك السياسي. لطالما طرح طهران الاعتراف بحق إيران في مجال الطاقة النووية كحق مشروع، كمحور رئيسي وشرط مسبق لحل الأزمات والتوترات الدولية.
هذا الموقف يعكس جهود إيران للتأكيد على حقوقها القانونية في إطار المعاهدات الدولية.
إيران في مسار التعاون، والغرب في مسار صناعة الأزمات
تكشف حقيقة الأحداث الأخيرة أكثر من أي شيء آخر عن حقيقة مريرة: على عكس رواية الغرب، كانت إيران هي التي أظهرت مراراً وتكراراً حسن النية الحقيقي والعملي؛ بينما لجأ الطرف المقابل عملياً إلى كل عمل عدائي. على أعتاب بدء المفاوضات، شن الكيان الصهيوني ثم الولايات المتحدة هجوماً على الأراضي الإيرانية، وهو عمل يعد في العرف الدولي مثالاً صارخاً على العدوان ومحاولة لتدمير مسار الدبلوماسية. مع ذلك، لم تظهر طهران رد فعل متسرعاً بل قبلت الوساطة المصرية ووقعت اتفاق القاهرة وفتحت عملياً الطريق أمام استئناف عمليات التفتيش؛ عمل قلما يوافق أي بلد على القيام به بعد استهداف منشآته الحساسة. لكن في المقابل، في نفس الوقت الذي كانت إيران تفتح فيه طريق التعاون، اختارت الدول الأوروبية الثلاث عمداً مساراً يخلق التوتر وبضغوط منسقة أفرغت عملياً اتفاق القاهرة.
أظهر سلوك أوروبا بوضوح أنه بالنسبة لبعض الحكومات، المبدأ المهم ليس "حل الخلاف عبر التعاون"، بل استمرار صناعة الأزمة ومنع أي تقدم في طريق التفاهم مع إيران. هذا الازدواج في السلوك أثبت مرة أخرى أنه في هذا الملف، المشكلة ليست في نقص التعاون من جانب إيران بل في وجود إرادة منظمة في الغرب لتدمير أي إنجاز دبلوماسي. نظراً لاستمرار صناعة الأزمات والسلوكيات غير اللائقة وغير المنطقية لبعض الدول الغربية، وصل اتفاق القاهرة عملياً إلى مرحلة من انعدام المصداقية وفقد وظيفته.
هذا الوضع يظهر أنه بدون التزام الأطراف الغربية بالمبادئ المنطقية والالتزامات الاتفاقية، لا يمكن لأي اتفاق أن يمتلك ضمان تنفيذ حقيقي وستظل المفاوضات حبراً على ورق.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية: هيئة فنية أم أداة للغرب؟
قرار مجلس المحافظين الأخير يأتي في إطار استمرار هذا المسار لتسييس الوكالة. هذه الوثيقة تكرر مرة أخرى ادعاءات قديمة تستند إلى وثائق مزيفة للنظام الصهيوني؛ ادعاءات لم يُقدم عنها أي إثبات فني حتى بعد ساعات من التفتيش وعشرات التقارير الرسمية. بدلاً من أن يدين الغرب مهاجمي المنشآت الخاضعة للضمانات، فإنه يدين البلد الذي كان لديه أعلى مستوى من التعاون مع الوكالة. قلب الحقيقة هذا لا يعمق عدم الثقة فحسب، بل يضع الوكالة في موقع مؤسسة تعمل عملياً بتناقض مع مهمتها الفنية المحايدة.
الاتفاق النووي هو الشاهد الأوضح على هذه الحقيقة المرة: كانت إيران الطرف الوحيد الذي نفذ جميع التزاماته دون نقصان؛ هذه حقيقة أكدتها التقارير المتتالية للوكالة أيضاً. مع ذلك، لم تلتزم الولايات المتحدة فقط بأي من التزاماتها بل إنها، من خلال انتهاكها الصارخ للاتفاق والانسحاب الأحادي من البرنامج، دمرت عملياً أساس الاتفاق.
حتى بعد انسحاب أمريكا، استمرت إيران لشهور في الوفاء طواعية بالالتزامات الخاصة بالبرنامج للحفاظ على فرصة للدبلوماسية؛ لكن في المقابل، بدلاً من تقدير هذا المستوى غير المسبوق من التعاون، ضيقت الوكالة مسار التفاعل من خلال التسييس المستمر للتقارير ومصاحبة ضغوط بعض الحكومات. الحقيقة أن المشكلة ليست في تعاون إيران بل في النهج الذي اتبعته الوكالة في السنوات الأخيرة؛ نهج تحول بدلاً من الاعتماد على المعايير الفنية إلى ترجمة فنية للمطالب السياسية. عندما تتعرض إيران، باعتبارها الطرف الوحيد الملتزم بالاتفاق، للضغط دون حساب، والطرف المنتهك للاتفاق لا يدفع الثمن فحسب بل يُدعم أيضاً، فإن السؤال الرئيسي واضح جداً: هل الوكالة حقاً حارسة للسلام والتحقق، أم أداة لتحقيق إرادة القوى؟
الوكالة ضد إيران .. مؤسسة تتجاهل الحقيقة
ما يُلاحظ اليوم في سلوك الوكالة الدولية للطاقة الذرية ليس منهجاً فنياً - قانونياً بل تسييس واضح ومؤسسي؛ مؤسسة يجب أن تكون حَكَماً محايداً لكنها تحولت عملياً إلى أداة في خدمة ضغوط قوى معينة.
الجمهورية الإسلامية الايرانية، ورغم التزامها المستمر بالالتزامات وإثباتها حسن نيتها بأعلى مستوى من التعاون، شاهدت مراراً أن الوكالة لا تعكس فقط هذا التعاون بل تسد عمداً طريق التفاعل البناء بتقاريرها الموجهة ومعاييرها المزدوجة ومطالباتها الخادعة. أداء الوكالة اليوم، أكثر من كونه حامياً لنظام عدم الانتشار، يعزز عدم الثقة العالمية؛ لأن المؤسسة الرقابية، عندما تضحي بمكانتها المهنية والمحايدة لاعتبارات سياسية، تفقد مصداقيتها وتتحول إلى عائق جدي أمام الاستقرار والشفافية والتعاون الحقيقي. هذا النهج لا يتوافق فقط مع روح القوانين الدولية بل يضع الوكالة في موقع المتهم الرئيسي بتشويه التعاون؛ مؤسسة يجب أن تكون محللاً للمشكلات، لكنها تحولت إلى من يخلق المشاكل الرئيسية.
/انتهى/