عراقجي: على أمريكا وأوروبا أن تكسبا ثقتنا… وإيران مصمّمة على مواصلة برنامجها النووي السلمي

وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء بأن عراقجي قال في مقابلة مع وكالة «كيودو» اليابانية، رداً على سؤال حول كيفية نية إيران تبديد هذه المخاوف وإعادة الثقة إلى برنامجها النووي: «إن الولايات المتحدة، والأوروبيين، وغيرهم هم الذين يجب أن يطمئنونا بأننا نستطيع التمتع بحقّنا في الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية من دون التعرّض للقصف أو الهجوم».

وأضاف: «إذا كانوا يريدون عودتنا إلى الدبلوماسية والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فعليهم هم أن يكسبوا ثقتنا».

وفي ما يخص احتمال استئناف المفاوضات مع واشنطن، قال: «الأمر يعتمد على الولايات المتحدة. إذا غيّروا نهجهم وأصبحوا مستعدين لمفاوضات عادلة ومتوازنة، أي مفاوضات تحقق المنفعة المتبادلة، فنحن أيضاً مستعدّون».

ورأى عراقجي أن الإطار المقبول للمفاوضات هو ذاك الذي «يعترف بحق إيران في الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية، بما في ذلك التخصيب».

وفي ما يلي نصّ المقابلة كما ورد في قناة وزير الخارجية على تلغرام:

المحاور: تعليق عمليات التفتيش من جانب الوكالة أثار شكوكا في المجتمع الدولي بشأن النيات النووية الإيرانية. كيف تعتزم إيران تبديد هذه المخاوف وإعادة الثقة إلى برنامجها النووي؟

عراقجي: أستغرب من هذا السؤال. الولايات المتحدة والأوروبيون وغيرهم هم الذين يجب أن يطمئنونا بأننا نستطيع التمتع بحقّنا في الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية من دون قصف أو هجوم. نحن الذين تعرّضنا للهجمات، ولم نرتكب أي خطأ. منشآتنا كانت تحت إشراف الوكالة، ولم يكن هناك أي انحراف نحو سلاح نووي. لذلك فإن مسؤولية بناء الثقة تقع عليهم هذه المرة، لا علينا.

كنا نستخدم حقوقنا، ومنشآتنا تحت رقابة الوكالة، ومع ذلك تعرضنا للقصف من دون أي مبرر. لا يوجد أي تقرير يشير إلى انحراف برنامجنا نحو أهداف غير سلمية، وقد أكد المدير العام للوكالة قبل أسابيع عدم وجود أي تقرير عن مثل هذا القصد. لذلك، إذا كانوا يريدون عودتنا إلى الدبلوماسية والتعاون مع الوكالة، فعليهم هم أن يكسبوا ثقتنا. يجب على الولايات المتحدة أن تقدم ضمانات بأنها لن تهاجمنا مرة أخرى خلال فترة التفاوض والتعاون مع الوكالة.

المحاور: السؤال الأخير: رغم الضغط الكبير الذي تفرضه العقوبات الاقتصادية على الشعب الإيراني، تواصل إيران التزامها بتطوير برنامجها النووي. ما الدافع الاستراتيجي وراء هذا النهج؟

عراقجي: تكنولوجيا الطاقة النووية والتخصيب نتاج علماء إيرانيين ولم تكن مستوردة. دفعنا ثمناً باهظاً مقابلها: عقوبات، وحرب، وأكثر من ألف شهيد، وعلماء تم اغتيالهم. دماء شعبنا امتزجت بهذه التكنولوجيا، ولذلك لا يمكننا التخلي عنها. اليوم أصبحت هذه القضية متصلة بكرامة إيران وعزتها الوطنية؛ وهي ليست شيئاً يمكن بيعه.

نعم، العقوبات مؤلمة وتفرض ضغوطاً اقتصادية، لكن كرامة الأمة شيء مختلف، ولن نبيع عزتنا وكرامتنا بأي ثمن.

المحاور: هل هناك إمكانية لاستئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة؟

عراقجي: ذلك يعتمد على أمريكا. إذا غيرت نهجها وأصبحت مستعدة لمفاوضات متوازنة ومنصفة، أي مفاوضات تحقق الربح المتبادل، فنحن مستعدون. الواقع أننا لا نملك تجربة جيدة مع الولايات المتحدة في المفاوضات؛ يكفي النظر إلى ما حدث في اتفاق 2015، حين خرجت أمريكا منه بلا سبب.

انظروا أيضاً إلى مفاوضات هذا العام، 2025، حين كنا نتفاوض بينما تعرّضنا لهجوم من قبل الإسرائيليين بدعم من أمريكا، بل وشاركت الولايات المتحدة في الهجوم. وانظروا أيضاً إلى مفاوضات الأشهر الماضية في نيويورك حول مسألة آلية الزناد.

توصّلنا إلى أن الأميركيين غيرُ مستعدّين لمفاوضات متبادلة المنفعة تقوم على أساس المساواة والاحترام المتبادل. وبمجرّد أن نصل إلى قناعة بأنهم مستعدّون لمثل هذا التفاوض، يمكننا استئناف المحادثات. المسألة أن التفاوض يختلف تماماً عن الإملاء. وحتى الآن لم نقتنع بأنهم جادّون وحقيقيّون في التفاوض؛ فهم يريدون الإملاء، وأنا لستُ ممن يصغون لإملاءات الآخرين.

المحاور: ما هو محور الخلاف الرئيسي؟

عراقجي: جوهر الخلاف هو ضرورة اعتراف الولايات المتحدة بحقّ إيران في الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية، بما في ذلك التخصيب. فهذا حقّ أصيل لنا، وما يزال قائماً بموجب القانون الدولي. نحن عضو ملتزم في معاهدة عدم الانتشار، ولدينا—تماماً كما لليابان—الحق في الاستفادة من التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية. نحن لا نطالب إلا بحقّنا، ونريد ممارسته تحت الرقابة الكاملة للوكالة الدولية.

وفي اتفاق عام 2015 النووي، قبلنا حتى إجراءات تتجاوز ما تنصّ عليه معاهدة عدم الانتشار والبروتوكول الإضافي، لتوفير مزيد من الثقة بسلمية برنامجنا ومنح الوكالة صلاحيات رقابية أكبر. ومع ذلك انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق. نحن واثقون تماماً من سلمية برنامجنا، ولا مشكلة لدينا في تقاسم هذه الثقة مع الآخرين. وهذا ما فعلناه في الاتفاق النووي، ونحن مستعدّون للقيام به مجدداً: بناء الثقة بسلمية برنامجنا مقابل رفع العقوبات.

ومتى ما قبلوا هذا المنطق—أي بناء الثقة المتبادل مقابل رفع العقوبات—يمكن استئناف المفاوضات، وأنا أعتقد أننا سنصل إلى نتيجة بسرعة.

المحاور: ما الإطار المعقول والمقبول من وجهة نظر إيران للمفاوضات الجديدة؟

عراقجي: الإطار المقبول هو ذاك الذي يعترف بحقّ إيران في الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية، بما في ذلك التخصيب، ونحن مستعدّون لبناء الثقة في هذا الاتجاه. ويمكننا حتى قبول آليات رقابية تتجاوز معاهدة عدم الانتشار، وكذلك قيوداً زمنية من أجل بناء الثقة.

فكما فعلنا في الاتفاق النووي—حيث قبلنا بحصر التخصيب عند 3.67% لمدة 15 عاماً وليس إلى الأبد—لا يمكن قبول أيّ شيء بصورة دائمة. الشيء الوحيد الذي نقبل به كتعهّد دائم هو التزام إيران بعدم السعي مطلقاً إلى السلاح النووي.

أمّا الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية، فربما نقبل من أجله قيوداً زمنية محدّدة لبناء الثقة، مثل مستوى التخصيب ونوع الأجهزة، لكنها لن تكون دائمة، لأننا لا نستطيع اتخاذ قرارات بالنيابة عن الأجيال المقبلة. الشيء الوحيد الذي نقدر على الالتزام الدائم به هو أن إيران لن تتجه مطلقاً نحو السلاح النووي؛ هذا تعهّد راسخ.

وكما قلت، سياستنا الأساسية هي تعهّد دائم بأن إيران لن تسعى إلى السلاح النووي، لكن إذا أرادوا قيوداً مؤقتة على بعض أوجه برنامجنا بهدف بناء الثقة، فيمكننا قبول ذلك، لا لغير فترة زمنية محدّدة، وللمدة اللازمة لتحقيق هذا الهدف.

المحاور: هل هناك مجال لاستئناف التعاون بين إيران واليابان في مجال الأمان النووي بعد حرب الـ12 يوماً؟

عراقجي: الواقع، كما ذكرتم، أنّ منشآتنا النووية تعرّضت خلال الحرب لقصف وتدمير وأضرار جسيمة، وهذا انتهاك صارخ وواضح للقانون الدولي، بل قد يكون أكبر انتهاك من نوعه، لأن منشأة نووية سلمية خاضعة لرقابة الوكالة جرى قصفها. وقد أدّى ذلك إلى مخاطر وتحديات خطيرة: خطر الإشعاعات، والذخائر غير المنفجرة داخل المنشآت، إضافة إلى استمرار التهديدات. نحن نواجه الآن تحديات أمنية وهواجس تتعلق بالأمان.

وللأسف لا يوجد أيّ سابقة لقصف منشأة نووية سلمية، وبالتالي لا يوجد أيّ بروتوكول أو دليل إجراءات يحدّد كيفية تفتيش منشأة تعرّضت للقصف. وهذا هو السؤال الذي طرحته على المدير العام للوكالة: هل لدى الوكالة آلية أو بروتوكول لمثل هذا النوع من التفتيش؟ وكان الجواب: لا، لأنّ سابقة كهذه لم توجد من قبل. إنها المرة الأولى التي تُقصف فيها منشأة نووية سلمية تحت الرقابة.

لذلك لا نستطيع استئناف عمليات التفتيش قبل الاتفاق على طريقة تفتيش المنشآت المتضررة. وقد بدأنا مفاوضات مع الوكالة للوصول إلى هذا الاتفاق، وتوصّلنا في القاهرة إلى إطار للتعاون لحلّ هذه المسألة.

وكان مهماً أن الوكالة أقرت بالحاجة إلى إطار تعاون جديد. لكن للأسف، بعد اتفاق القاهرة، مضت الدول الأوروبية الثلاث والولايات المتحدة نحو تفعيل آلية سناب باك في مجلس الأمن—وهو إجراء غير قانوني، ونحن لا نعتقد أنهم يمتلكون الحق في تفعيله.

ومن وجهة نظرنا، وكذلك من وجهة نظر روسيا والصين وأكثر من 120 دولة في حركة عدم الانحياز، لم يتم تفعيل آلية الزناد، ولم تعد العقوبات وقرارات المجلس السابقة إلى الواجهة. وقد قلتُ للدول الأوروبية الثلاث ولأميركا إنه إذا اتجهتم نحو آلية الزناد، فإن إطار التعاون بين إيران والوكالة—أي اتفاق القاهرة—لن يكون صالحاً بعد ذلك وسيحتاج إلى مراجعة. وللأسف هذا ما حدث فعلاً. ونحن الآن على تواصل مع السيد غروسي، المدير العام للوكالة، لاستئناف هذا التعاون.

إن سؤالكم بشأن الهواجس المرتبطة بالأمان سؤال وجيه. وهنا نصل إلى موضوع احتمال التعاون مع اليابان. فاليابان تمتلك تجربة تاريخية مع القنابل النووية وما خلّفته من آثار على البيئة وصحة الإنسان، إضافة إلى خبرتها في التعامل مع حادثة محطة فوكوشيما التي دمّرها التسونامي. كنتُ في ذلك الوقت سفيراً في طوكيو وقمتُ بزيارة المنطقة المتضررة. لذلك لا شك لديّ بأن اليابان تمتلك معرفة واسعة في بهبود ايمني تأسيسات هسته‌اي، ويمكن مشاركة هذه الخبرة مع إيران.

أما بالنسبة للمستقبل، فإيران عازمة بالكامل على مواصلة برنامجها النووي السلمي. وكما ذكرتُ في العديد من المقابلات، المنشآت والأجهزة قد تعرّضت للتدمير، لكن التكنولوجيا نفسها لم تُدمَّر، وإرادتنا لم تُكسر. ما زلنا ثابتين، والتكنولوجيا في متناولنا، ولدينا عدداً كبيراً من العلماء والفنيين، كما أن لنا—بموجب القانون الدولي—الحق في الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية. لذلك أعتقد أن التعاون مع اليابان في هذا المجال قابل للتحقق، وأنا واثق بأنه سيكون مفيداً للغاية.

المحاور: برأيك، ما الدور الذي يمكن أن تؤديه الوكالة في عمليات التفتيش النووي لإيران مستقبلاً؟

عراقجي: التفتيش موضوع، ومخاوف الأمان موضوع آخر. التفتيش من مهام الوكالة، ونحن على تواصل وثيق معها. وكما قلت، هناك مخاوف أمنية وهواجس تتعلق بالأمان، ولا يمكن استئناف التفتيش قبل معالجة هذه المخاوف. ولكن عندما تعود علاقاتنا مع الوكالة إلى وضعها الطبيعي، فإن التعاون مع اليابان في الجوانب الفنية لهذه التحديات المتعلقة بالأمان يمكن أن يكون مفيداً.

المحاور: وما هي الأدوار التي يمكن لليابان أن تضطلع بها في عمليات التفتيش النووي؟

عراقجي: التفتيش شأن تقرّره الوكالة، ولا نستطيع التدخل فيه، لكن لدينا تجربة ممتازة في التعاون مع المفتشين اليابانيين. عندما كان الراحل يوكيا آمانو مديراً عاماً للوكالة، كانت لنا معه تجربة تعاون جيدة للغاية. الاتفاق النووي لعام 2015 أُبرِم في فترة تولّيه المنصب، وقد لعب دوراً أساسياً ومساعداً في تحقيقه. التعاون مع المفتشين والمديرين اليابانيين في الوكالة وفي مؤسسات أخرى كان مفيداً جداً، ويمكن أن يستمر في المستقبل.

المحاور: دعنا نتحدث عن العلاقات بين إيران واليابان، خصوصاً وأن لديكم تجربة مباشرة هناك. اليابان لديها الآن حكومة جديدة. كيف ترون آفاق تعزيز العلاقات الثنائية في ما يتعلق بالسياسة النووية والتعامل مع الولايات المتحدة؟

عراقجي: العلاقات بين إيران واليابان كانت دائماً جيّدة وودّية. جذور هذه العلاقات تعود إلى سنوات طويلة، وهي قائمة دوماً على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل. ويمكنني القول إنه لا توجد أيّ مشكلة على الصعيد الثنائي. المشكلات تأتي من خارج إطار هذه العلاقات الثنائية. والواقع أن اليابان حليفٌ للولايات المتحدة، لكنها في الوقت نفسه صديقة لإيران. لقد حافظت العلاقات بيننا دائماً على طابعها الودّي، وهذا يمنحنا فرصة للتعاون مع اليابان أكثر من العديد من الدول الغربية—وهو ما شهدناه خلال العقود الماضية.

واليابان تحظى بسمعة ممتازة في إيران، وهي دولة تُقابَل باحترام كبير. صناعتنا للسيارات استفادت طويلاً من التكنولوجيا اليابانية، كما أن الكثير من التكنولوجيا والابتكارات اليابانية معروفة ومقبولة في إيران. كنا أيضاً مموّناً للنفط الخام إلى اليابان، وهذا لم يعد ممكناً بسبب العقوبات. وعقب اتفاق 2015 النووي، كانت اليابان أول دولة تُسارع إلى استئناف علاقاتها الاقتصادية معنا، لأن الأساس الذي تقوم عليه علاقاتنا الثنائية أساس قوي. وأنا واثق من أنه عندما تُرفع العقوبات مجدداً، فإن العلاقات الاقتصادية بين إيران واليابان ستعود سريعاً إلى سابق عهدها.

/انتهى/