.
تُعد القاعدة العسكرية الأمريكية الجديدة عند حدود غزة، بتكلفة 500 مليون دولار، أكبر استثمار عسكري أمريكي مباشر في المنطقة المحيطة بالقطاع، ما يعكس إصرار واشنطن ودورها المحوري في المنطقة. تشير التصاميم الأولية للقاعدة العسكرية المزمع إنشاؤها إلى أنها ستستوعب عدة آلاف من الجنود الأمريكيين، وسيتم تجهيزها بأحدث الأنظمة التقنية واللوجستية.
يعكس التحرك الأمريكي تحولاً جذرياً في الاستراتيجية الأمريكية تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لتنتقل واشنطن من الوسيط التقليدي إلى طرف فاعل ومؤثر مباشر على الأرض. يهدف المشروع لإضعاف الدور الإسرائيلي التاريخي في إدارة ملف غزة، ويأتي متزامناً مع إنشاء مركز التنسيق المدني العسكري المتطور في "كريات غات" العقل المدبر لجميع العمليات.
التوسع الأمريكي السريع والمكثف أثار مخاوف حقيقية لدى صناع القرار في "تل أبيب"، بفقدان نفوذهم التقليدي في إدارة شؤون غزة والسيطرة التدريجية على مقدرات الأمور في القطاع. بات مركز التنسيق الأمريكي الكلمة الفصل في تحديد المساعدات بعد انتقال صلاحيات رئيسية من الجانب الإسرائيلي إليه، مما يعكس تراجعاً واضحاً في الدور الإسرائيلي الميداني.
تعكف الإدارة الأمريكية على دراسة مقترح لإنشاء ما يُعرف بـ"حزام غزة الإنساني"، يتضمن إنشاء شبكة من 12 إلى 16 مركز مساعدات متوزعة على طول خطوط التماس. تواجه المبادرة الأمريكية معارضة شديدة من منظمات الإغاثة الدولية، التي تعتبر أن المقترح الجديد يمثل إحياءً لصيغة مؤسسة غزة الإنسانية المثيرة للجدل، والتي قد تقيد عمل المنظمات غير الحكومية.
رغم الاتفاقات الموقعة والضغوط الدولية، تواصل السلطات الإسرائيلية سياسة المراوغة في التعامل مع دخول المساعدات، حيث لا تزال تتحكم في نوع وكمية المساعدات الداخلة إلى غزة. يفرض المركز رقابة أمريكية مباشرة على عمليات الإغاثة، مما يهدد بزيادة تفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع.
يُشكل المركز في "كريات غات" نموذجاً عملياً للتدخل الدولي المباشر في شؤون غزة، وتجسد بشكل ملموس التحول التاريخي الذي حذرت منه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من التدخل الأميركي. تمتلك الولايات المتحدة شبكة استخباراتية متطورة في المنطقة، تمكنها من مراقبة كافة التحركات على الأرض، وإصدار تعليمات فورية للجيش الإسرائيلي بإلغاء أي عمليات عسكرية.
صرح مسؤول أمريكي رفيع المستوى بتصريحات قوية وحادة موجهة إلى الجانب الإسرائيلي، حاثاً إياهم على "التوقف فوراً عن ارتكاب أي حماقات" قد تهدد مستقبل الاتفاقية القائمة. جذب المركز الأمريكي قوات وممثلين من دول كانت من أشد المنتقدين للسياسات الإسرائيلية في حربها على غزة، مثل إسبانيا وكندا، مما عزز الشرعية الدولية للمشروع الأمريكي.
/إنتهى/