عراقجي: يجب إعادة النظر في آلية التعاون مع الوكالة/ أنصح أمريكا باحترام الشعب الإيراني
- الأخبار الدولی
- 2025/12/17 - 10:26
وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء بأن سيد عباس عراقجي، وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أوضح في حديثه إلى قناة «الجزيرة» بشأن العلاقات مع الوكالة، أن كثيراً من الإيرانيين يعتقدون أن عمليات التفتيش التي أجرتها الوكالة، وجمعها للمعلومات من المنشآت النووية الإيرانية، أدّيا إلى نقل معلومات بالغة الحساسية إلى إسرائيل وأمريكا، الأمر الذي أسهم في استهداف المنشآت النووية الإيرانية. وأضاف أن هؤلاء يحمّلون مفتشي الوكالة مسؤولية تسريب تلك المعلومات، مشيراً إلى أنه عقب العمليات العسكرية، اضطرت إيران إلى تعليق تعاونها مع الوكالة.
وأكد عراقجي أن «اتفاق القاهرة لم يعد اليوم مجدياً»، مشدداً على أن طهران مطالبة بإعادة النظر في كيفية تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأن هذا الأمر سيكون موضع تنفيذ.
وفي ما يلي نص المقابلة:
نسمع نحن أيضاً كثيراً عن احتمال أن يقدم الكيان الإسرائيلي مجدداً على شنّ هجوم. وهنا لا بد أن أشير إلى نقطتين: الأولى أن الحرب النفسية تشكّل جزءاً من الحرب الحقيقية، ويبدو أنهم يركّزون حالياً على هذا النوع من الحرب، بهدف خلق حالة من القلق والتوتر داخل البلاد، وهو ما يندرج ضمن حرب أشمل يسعون إلى خوضها ضد إيران.
شعبنا معتاد على هذه الحرب النفسية؛ فمنذ سنوات طويلة يطلق الأميركيون والإسرائيليون مثل هذه التهديدات. ولأعوام طويلة كانت الولايات المتحدة تكرر أن «كل الخيارات مطروحة على الطاولة»، بما في ذلك الخيار العسكري. وكان الهدف في الأساس إثارة التوتر وبثّ الخوف في المجتمع، وهو ما يحدث اليوم أيضاً.
أميركا وإسرائيل تعلمان أن حرب الاثني عشر يوماً كانت تجربة فاشلة
هذا لا يعني أننا نتجاهل احتمال اندلاع حرب؛ نعم، احتمال الحرب كان قائماً دائماً وما زال قائماً اليوم، لكن كلاً من الأميركيين والكيان الإسرائيلي يدركان أن الحرب السابقة، أي حرب الاثني عشر يوماً، كانت تجربة فاشلة. فعملياً، فشلوا في تحقيق أهدافهم. وعندما تكرّر تجربة ما، مهما أعيدت، فإنها تؤدي إلى النتيجة نفسها.
نحن على أتمّ الاستعداد؛ فالقوات المسلحة وشعبنا مستعدون للدفاع عن البلاد في جميع الظروف. وهذا لا يعني أننا نرغب في الحرب، بل نؤكد أننا نفضّل حلّ القضايا عبر الدبلوماسية. وهذا ما سعيتُ إليه في نيويورك، في محاولة لإتاحة فرصة للدبلوماسية، غير أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة كانت قد اتخذت قرارها في ملف «آلية الزناد»، وطرحت مطالب تعجيزية.
الدبلوماسية تمثّل أولوية بالنسبة إلينا، لكننا في الوقت نفسه مستعدون لأي سيناريو آخر. وكما أثبتنا في الحرب السابقة، سندافع عن بلدنا بكامل الجهوزية.
نحن نضع كل الاحتمالات في الحسبان. أجهزتنا الأمنية تجري تقييماتها وترفعها إلى مسؤولي البلاد، وبناءً على هذه التقييمات نحن مستعدون لأي ظرف. لكن تقديري الشخصي هو أن تكرار تجربة فاشلة، إذا توفّر الحد الأدنى من العقلانية، لا ينبغي أن يحدث.
مع ذلك، نحن نواجه أعداء لا يتورّعون عن ارتكاب أي جريمة. وما جرى في غزة أمام أنظار العالم كلّه أثبت أننا نتعامل مع أطراف لا تضع أي حدود لجرائمها. ولهذا نحن في أعلى درجات الجاهزية، وفي الوقت ذاته لم نغلق أبواب الدبلوماسية أبداً؛ فما زالت الفرص الدبلوماسية قائمة، لكننا مستعدون لكل الاحتمالات.
سنقف في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل كما وقفنا في المرة السابقة. آنذاك جلبوا أكبر قاذفاتهم إلى ساحة المواجهة، وأقلعوا بأحدث مقاتلاتهم، واستخدموا أقوى قنابلهم، بما فيها تلك المخصصة لاختراق المنشآت تحت الأرض، لكنهم لم يحققوا نتيجة تُذكر. وهنا تكمن المشكلة.
الملف النووي الإيراني لا حلّ عسكرياً له
الملف النووي الإيراني لا يمكن حله عسكرياً. قد تدمّرون المباني وتلحقون أضراراً بالمعدات، لكن لا يمكن القضاء على التكنولوجيا بالقصف والهجمات العسكرية. لا يمكن محو المعرفة من العقول بالقنابل، وحتى لو اغتلتم عدداً من العلماء، فهناك آخرون سيواصلون المسيرة التكنولوجية. والأهم من كل ذلك أن إرادة أمة لا يمكن كسرها بالقصف.
وعليه، فإن الهجمات العسكرية، مهما كانت واسعة النطاق، ومهما نفذتها قوى كبرى، لا يمكنها حلّ المشكلة على أرض الواقع. وهذه تجربة خاضوها بالفعل. لسنوات طويلة هددوا بشنّ هجوم عسكري، ثم نفذوه، لكنهم لم يحققوا النتيجة التي كانوا يسعون إليها.
وقبل الهجوم العسكري، فرضوا على الشعب الإيراني عقوبات لسنوات طويلة، ولم تُحل أي مشكلة. لا يوجد حلّ سوى حل تفاوضي ودبلوماسي لمعالجة القضايا القائمة، وهذا هو المسار الذي سيُجبرون في نهاية المطاف على سلوكه.
صحيح أن منشآتنا النووية تعرّضت لأضرار جسيمة نتيجة الهجوم الجوي، وأن كثيراً من معداتنا في هذه المنشآت دُمّرت، وهذا أمر واقع. لكن المعرفة والتكنولوجيا لم تُدمَّر، وإرادة الشعب الإيراني لم تنكسر. وما أكده سماحة القائد الأعلى صحيح تماماً، إذ إن التكنولوجيا النووية الإيرانية ليست مستوردة بحيث يؤدي قصفها إلى فراغ كامل، بل هي نتاج علم وجهود علماء إيرانيين، ويمكن إعادة إنتاجها مجدداً. لذلك، لم يُقضَ على البرنامج النووي الإيراني، وإن كانت الولايات المتحدة قد نجحت في إلحاق أضرار جسيمة بمنشآتنا النووية.
إذا اندلعت حرب بيننا وبين أمريكا، فعليها أن تتوقع استهداف قواعدها
نحن لم نهاجم قطر، بل استهدفنا قاعدة أميركية تقع على الأراضي القطرية. وإذا اندلعت حرب بيننا وبين أمريكا، وأقدمت واشنطن على مهاجمة منشآتنا النووية، فعليها أن تتوقع حتماً أن نستهدف القواعد العسكرية الأميركية. لا فرق لدينا في مكان وجود هذه القواعد. نحن نعيش بعلاقات ودّية مع دول الجوار، ولا توجد لدينا أي مشكلة مع قطر أو مع سائر دول المنطقة، لكن للأسف، القواعد الأميركية موجودة على أراضي بعض هذه الدول. وبالتالي فإن حربنا ستكون مع الولايات المتحدة، وهجماتنا ستكون موجهة ضد القواعد الأميركية.
وبالطبع، آمل ألا يحدث ذلك. ففي المرة السابقة أدرك الأميركيون سريعاً أن هذه الحرب يجب أن تتوقف. لكنني، بوصفي شخصاً شارك خلال العشرين عاماً الماضية في المفاوضات النووية، وقاد التفاوض ونفّذ الاتفاق، وأتحدث اليوم بصفتي وزير خارجية إيران، أؤكد أن التوصل إلى حل سلمي أمر ممكن تماماً، شريطة أن يحترم الطرفان حقوق بعضهما البعض، وأن تتوافر الإرادة للتوصل إلى اتفاق قائم على المصالح المتبادلة. أما إذا أراد طرف ما تجاهل حقوق الشعب الإيراني، فمن الطبيعي ألا نصل إلى أي اتفاق.
نصيحة عراقجي لترامب
اقتراحي ونصيحتي لرئيس أمريكا هو العودة إلى الدبلوماسية، والعمل على إيجاد حل تفاوضي، وهو حل أراه متاحاً وقابلاً للتحقق.
عندما هاجمت إيران قاعدة أميركية في قطر، توجّه وزراء خارجية دول مجلس تعاون الخليج الفارسي إلى الدوحة لإعلان التضامن مع قطر، وصدر هناك بيان مشترك. حينها اتصلتُ بجميع وزراء خارجية الدول الست الأعضاء في المجلس، وقلت لهم: «من فضلكم، ضعوا اسمي أيضاً تحت هذا البيان». فإيران تعلن تضامنها مع قطر، لأننا لا نملك أي مشكلة مع هذا البلد، ولأن هجومنا لم يكن موجهاً ضد قطر، بل ضد قاعدة أميركية تقع ـ للأسف ـ على أراضيها.
نحن لا نثق بأمريكا بوصفها طرفاً تفاوضياً صادقاً؛ فلم تكن صادقة في أي ملف، وبرأيي لا يمكن لأحد أن يثق بها. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع من تجربة الدبلوماسية. في الجولة السابقة تفاوضنا مع الولايات المتحدة رغم انعدام الثقة الكامل، لكن هناك حقيقة لا يمكن إنكارها، وهي أننا فقدنا تدريجياً ثقتنا بأي مسار تفاوضي مع واشنطن.
نعم، لا توجد ثقة للتفاوض مع الولايات المتحدة، وقد عبّر سماحة قائد الثورة عن ذلك بوضوح حين قال إن التفاوض مع أميركا «طريق مسدود بالكامل».
ومع هذا، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بوصفها دولة تؤمن بالدبلوماسية والحلول السلمية، كانت دائماً مستعدة للتفاوض، ولا يزال علم الدبلوماسية مرفوعاً بأيدينا. وكلما شعرنا بأن الطرف المقابل مستعد للتفاوض من موقع الندية، وعلى أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، فإن إيران ستلبي هذا النداء.
إجراء الدول الأوروبية الثلاث ضربة للدبلوماسية
ما أعنيه هو الخطوة التي أقدمت عليها الدول الأوروبية الثلاث في مجلس الأمن، عندما سعت إلى إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن والأمم المتحدة. من وجهة نظري، شكّل هذا الإجراء ضربة للدبلوماسية، لأنه لم يحل المشكلة الأساسية، بل جعلها أكثر تعقيداً وصعوبة. وقد أجريت دائماً مقارنة في هذا السياق: كما أن الهجوم العسكري الأميركي لم يحل المشكلة بل فاقمها، فإن فرض مزيد من العقوبات، بما في ذلك الخطوة الأخيرة في مجلس الأمن، له الأثر ذاته، ولا يمكنه حل الأزمة، بل يزيدها تعقيداً.
الحقيقة أن الدول الأوروبية الثلاث، من خلال هذا الإجراء، صعّبت عملياً مسار الدبلوماسية، ووجّهت ضربة لها، ولا أعتقد أن تعويض هذه الخطوة سيكون سهلاً.
وكما تفضلتم، فإن كثيراً من الإيرانيين يعتقدون أن عمليات التفتيش التي قامت بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وجمعها للمعلومات من المنشآت النووية الإيرانية، أدّيا إلى تسريب معلومات قيّمة إلى إسرائيل والولايات المتحدة، ما أسهم في الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية. ويحمّل هؤلاء مفتشي الوكالة مسؤولية نقل تلك المعلومات. وبعد العملية العسكرية، اضطررنا إلى تعليق تعاوننا مع الوكالة إلى حين التوصل إلى آلية جديدة، وإطار جديد للتعاون. والسبب في ذلك أن استهداف منشآت نووية بالقصف كان عملاً غير مسبوق تماماً، ولم يكن هناك أي بروتوكول يوضح كيفية إجراء عمليات التفتيش في منشآت نووية تعرّضت للقصف.
لقد أجريتُ محادثات مع السيد غروسي، واتفقنا على تصميم إطار جديد للتعامل مع هذه المسألة. جرت مفاوضات بين إيران والوكالة، وفي النهاية تم إعداد هذا الإطار، ووقّعناه أنا والسيد غروسي في القاهرة، في خطوة عكست حسن نية إيران واستعدادها للتعاون مع الوكالة، ومواصلة السير في المسارات الدبلوماسية. لكن، وللأسف، تم تجاهل هذه الخطوة الإيرانية بالكامل، وأقدمت الدول الأوروبية والولايات المتحدة في مجلس الأمن على تفعيل آلية «الزناد» وإعادة القرارات السابقة.
إن اتفاق القاهرة لم يعد اليوم يتمتع بالفعالية اللازمة، وعلينا إعادة النظر في كيفية تعاوننا مع الوكالة، وهذا ما سيحدث بالفعل.
الأميركيون شهدوا التلاحم الوطني في إيران ودعم الشعب لبلده
لست متأكداً تماماً مما كان المقصود تحديداً، لأن هذا يُعد تدخلاً واضحاً من رئيس دولة في الشؤون الداخلية لدولة أخرى. مسألة ما إذا كانت إيران ستصبح دولة كبرى أو عظيمة من عدمه هي شأن يخص الشعب الإيراني وحده، ولا يحق لأي طرف آخر أن يقرر ذلك. كون إيران اليوم في موقع قوي أو لا، هو أمر يعود إلينا وإلى شعبنا. ولهذا السبب، لست واثقاً من أن الرئيس الأميركي قصد فعلاً ما فُهم من تصريحاته. وأنا أنصح الولايات المتحدة بصدق أن تحترم الشعب الإيراني، وأن تحترم النظام الذي اختاره هذا الشعب لنفسه.
خلال حرب الأيام الاثني عشر الأخيرة والهجوم الأميركي على إيران، شاهد الأميركيون بأعينهم التلاحم الوطني في إيران، ودعم الشعب الإيراني لبلده، ولأرضه، ولنظامه الحاكم. هذه ليست مسألة يمكن لأي طرف خارجي أن يقررها نيابة عن الشعب الإيراني. قبل أكثر من أربعة عقود، ثار الشعب الإيراني ضد نظام ديكتاتوري تابع للولايات المتحدة ويخدم مصالحها، وقرر أن يتولى بنفسه تقرير مصيره، وأن يؤسس نظاماً ديمقراطياً يستند إلى القيم الإسلامية.
أعتقد أن الولايات المتحدة، رغم خسارتها نظاماً حليفاً لها، من الأفضل لها أن تحترم إرادة الشعب الإيراني وخياره. وأرى أن إيران اليوم كبيرة وقوية بما يكفي للوقوف في وجه جيشين يمتلكان أسلحة نووية، ومقاومتهما، وإفشال أهدافهما.
برأيي، كان لدى رئيس أمريكا فرصة حقيقية للفوز بجائزة نوبل للسلام لو أنه سلك المسار الصحيح. ويؤسفني أن تتحول ثمرة مساعيه لنيل هذه الجائزة إلى هجوم عسكري على إيران. هذا أمر لا يمكن للشعب الإيراني تجاهله أو نسيانه. وخلال المفاوضات الأخيرة في نيويورك، طرحتُ مجدداً مساراً دبلوماسياً لحل هذه الأزمة، لكنه لم يُقبل للأسف بسبب المطالب المفرطة وتأثير جماعات الضغط المختلفة. وأعتقد أن الرئيس الأميركي كان يمتلك هذه الفرصة لو تصرّف بشكل مختلف، وربما لا تزال هذه الفرصة قائمة.
/انتهى/