السفير الأرميني في إيران لـ"تسنيم": يريفان راعت المصالح الحيوية لطهران في اتفاق واشنطن

وفي حوار مع مراسل وكالة تسنيم الدولية للأنباء، تطرق غريغور هاكوبيان، سفير أرمينيا لدى إيران، إلى العلاقات الثنائية بين إيران وأرمينيا، وآخر مستجدات العلاقات بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان، والاتفاق الثلاثي بين أرمينيا وأذربيجان وأمريكا بشأن مسار العبور في جنوب القوقاز، إضافة إلى آخر أوضاع العلاقات بين أرمينيا وتركيا. وفيما يلي نص الحوار:

تسنيم: كيف تقيّمون العلاقات الثنائية بين أرمينيا وإيران، وما هي الخطوات التي قمتم بها خلال فترة مهمتكم لتعزيز هذه العلاقات؟

هاكوبيان: لطالما وُصفت العلاقات بين أرمينيا وإيران بمستوى من الاحترام المتبادل والثقة وحسن الجوار، ما يمنحها قيمة فريدة في المنطقة. وقد وحّدت الشعبين علاقات تاريخية تمتد لآلاف السنين، تسارعت وتيرتها اليوم وشملت مجالات متعددة، وتحولت إلى تعاون قائم على المصالح المتبادلة.

ومن المهم الإشارة إلى أن هذه العلاقات لا تتطور فقط في إطار الظروف والدوافع التقليدية، بل تسير أيضاً وفق هدف ورؤية واضحة لإضفاء طابع استراتيجي على مسار تطورها.

تسنيم: ما المقصود بالرؤية الاستراتيجية؟

هاكوبيان: أود الإشارة إلى أن هذا التوجه تبلور في أعقاب التأكيد الذي جرى في أغسطس/آب من العام الجاري من قبل السيد باشينيان، رئيس وزراء أرمينيا، والسيد بزشكيان، رئيس إيران، في يريفان، على منح العلاقات بين البلدين طابعاً استراتيجياً. وآمل أن تُرسَّخ هذه العلاقات، التي تتمتع بالفعل بطابع استراتيجي، على أسس قانونية واضحة في المستقبل القريب، مع رسم آفاق جديدة لتطوير التعاون.

منذ نحو عام، يشرفني، كسفير لأرمينيا في إيران، شأن غيري، أن أتحمل مسؤولية الإسهام في تعميق العلاقات الثنائية. وقد كان هذا العام استثنائياً بلا شك، في ضوء الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى أرمينيا، وإصدار بيان مشترك، وتوقيع أكثر من عشرة وثائق شملت تقريباً جميع المجالات.

وبالتوازي مع ذلك، تميز عام 2025 بنشاط ملحوظ في الاتصالات على الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية.

فالزيارتان اللتان قام بهما أمين مجلس الأمن القومي الأرميني إلى طهران، والمشاورات السياسية على مستوى نواب وزراء الخارجية في البلدين، إضافة إلى زيارات أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، ووزراء الخارجية والدفاع وإسناد القوات المسلحة، ووزير العدل إلى أرمينيا، جميعها تشكّل دليلاً على استمرار الحوار السياسي رفيع المستوى.

كما أن المحتوى الجديد للتعاون التعليمي والثقافي يحظى بأهمية خاصة. فقد شهدنا هذا العام زيارة وزير التعليم والعلوم والثقافة والرياضة الأرميني إلى إيران، والتي جرى خلالها توقيع عدد من الوثائق الرسمية. كما افتُتح «ركن أرمينيا» في منظمة الوثائق والمكتبة الوطنية الإيرانية، وكان أبرز محطات هذه الزيارة الأداء الاستثنائي للأوركسترا السيمفونية الوطنية الأرمينية في برسبوليس (تخت جمشيد) بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيسها.

العلاقات الأرمينية–الإيرانية تحافظ على وتيرتها المتسارعة وتتعمق أكثر

إن مثل هذه المبادرات لا تسهم فقط في تعزيز أواصر الصداقة بين شعبي البلدين، بل تعمّق أيضاً التفاهم الثقافي بينهما.

وكان هذا العام مميزاً كذلك من حيث تنشيط التعاون التجاري–الاقتصادي والبنيوي. فخلال زيارة الرئيس بزشكيان إلى أرمينيا، شهدنا تنظيم منتدى لرواد الأعمال وتنفيذ برامج تهدف إلى تطوير التبادلات التجارية والمالية.

ورغم أن الحصيلة النهائية للبيانات الاقتصادية لعام 2025 لم تُستكمل بعد، فإننا نشهد استمرار نمو مستقر في حجم التبادل التجاري والمالي. وأعتقد أن المبادرات المشتركة، إلى جانب المشاريع الكبرى في مجالي النقل والطاقة خلال السنوات المقبلة، سترسم مستوى نوعياً جديداً للتعاون بين البلدين.

ويمكنني التأكيد بثقة أن العلاقات بين أرمينيا وإيران لم تحافظ فقط على وتيرتها السريعة، بل تمضي قدماً على أسس أكثر رسوخاً وعمقاً بطابع استراتيجي متزايد.

إن الهدف النهائي لأنشطتنا هو تحويل هذه المؤشرات الإيجابية إلى تعاون طويل الأمد، استشرافي، وقائم على المصالح المتبادلة، بما يفتح آفاقاً جديدة للتنمية في خدمة شعبي البلدين.

حلّ مجموعة مينسك يمثّل أعلى مستوى من الإقرار بانتهاء النزاع بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان

تسنيم: ما هو آخر وضع مفاوضات السلام بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا؟

هاكوبيان: يمكن القول بثقة إن مسار السلام بين أرمينيا وأذربيجان شهد خلال الأشهر الأخيرة تطورات مهمة ولافتة. ففي الثامن من أغسطس/آب 2025، قام وزيرا خارجية أرمينيا وأذربيجان في واشنطن بالتوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقية «إحلال السلام بين أرمينيا وأذربيجان وإقامة علاقات رسمية».

وبموجب هذا الاتفاق، واستناداً إلى بيان ألماآتي لعام 1991، جدّد الطرفان الاعتراف الرسمي بسيادة كل منهما ووحدة أراضيه وسلامة حدوده واستقلاله السياسي، وأكدا صراحة أنه لا توجد بينهما أي مطالبات إقليمية متبادلة، ولن تُطرح مثل هذه المطالب في المستقبل. وفي اليوم نفسه، جرى التوقيع على بيان مشترك لقادة أرمينيا وأذربيجان وأمريكا، رحّبوا فيه بالتوقيع الأولي على الاتفاقية.

وإضافة إلى ذلك، وباتفاق يريفان وباكو، تم توجيه طلب مشترك إلى الرئاسة الحالية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، تضمّن اقتراح حلّ هياكل «مجموعة مينسك» التابعة للمنظمة، وهو ما يُعد رسمياً أعلى مستوى من الإقرار بانتهاء النزاع.

وفي إطار بناء العلاقات السياسية–القانونية الثنائية، لا بد من الإشارة إلى أهمية توقيع النظام الداخلي لعمل اللجان المشتركة المعنية بتحديد وترسيم الحدود الرسمية بين أرمينيا وأذربيجان في الثلاثين من أغسطس/آب 2024.

وقد اعتمد الطرفان وثيقة تقوم على بيان ألماآتي لعام 1991، تعترف فيها أرمينيا وأذربيجان بوحدة أراضي كل منهما وعدم تغيير الحدود القائمة، وتلتزمان باحترام ذلك.

وعقب الاجتماع الثاني عشر الذي عُقد في مدينة قبله الأذربيجانية، جرى الاتفاق على عقد الاجتماع المقبل في أرمينيا، كما تم التوصل إلى تفاهم أولي لبدء سلسلة أعمال ترسيم الحدود الرسمية انطلاقاً من الجزء الشمالي لجمهورية أرمينيا وجمهورية أذربيجان ونقطة التقاء الحدود مع جورجيا، ثم مواصلة العمل باتجاه الجنوب على محور الشمال–الجنوب حتى حدود أرمينيا وأذربيجان مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

المجتمع الدولي يواصل حثّ أذربيجان على اتخاذ الخطوة الأخيرة نحو اتفاق السلام

إن رفع الحصار وفتح طرق المواصلات في المنطقة يُعد أحد المحاور الأساسية في التفاهمات الثلاثية.

ومع ذلك، يمكننا القول اليوم إن لقاء قادة أمريكا وأرمينيا وأذربيجان في واشنطن، وما أعقبه من التوقيع الأولي على اتفاقية السلام، أسهما في خفض المخاطر الأمنية وتهيئة بيئة سلام حقيقية في المنطقة، وأحدثا زخماً إيجابياً وجاداً في مسار السلام.

وفي هذا السياق، تثمّن أرمينيا عالياً الدعم والجهود المتواصلة التي تبذلها شركاؤها الدوليون، ومن بينهم الدولة الصديقة إيران، من أجل ترسيخ السلام المتحقق.

وأعتقد أن المجتمع الدولي سيواصل حثّ أذربيجان على إظهار الإرادة السياسية اللازمة، واتخاذ الخطوة الأخيرة المتمثلة في التوقيع النهائي على اتفاقية السلام.

اتفاق واشنطن الثلاثي يتحدث عن مسار عبور وليس عن ممر

تسنيم: في أي مرحلة وصل الاتفاق الثلاثي في واشنطن بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان وأمريكا بشأن «الممر»؟

هاكوبيان: اسمحوا لي أولاً أن أتوقف عند استخدام مصطلح «الممر» الوارد في سؤالكم.

ففي البيان الذي وقّعه قادة أرمينيا وأذربيجان وأمريكا في الثامن من أغسطس/آب في واشنطن، ورد بوضوح أن تأمين الاتصال غير المعرقل بين الأراضي الرئيسية لأذربيجان وإقليم نخجوان عبر الأراضي الأرمينية سيتم في إطار برنامج «مسار ترامب من أجل السلام والازدهار الدولي» (Trump Route for International Peace and Prosperity).

وبناءً عليه، فإن تسمية المسار العابر في جنوب جمهورية أرمينيا هي حصراً «مسار TRIPP»، وأي توصيفات أخرى، بما فيها مصطلح «الممر»، تتعارض مع مضمون وروح البيان الذي وقّعه رئيس وزراء أرمينيا ورئيس جمهورية أذربيجان ورئيس أمريكا.

وأود، عبر هذه المنصة، أن أوصي أيضاً الأوساط البحثية والإعلامية في إيران بأخذ هذا التوضيح الصريح بعين الاعتبار.

وينص بيان واشنطن على رفع الحصار وفتح جميع طرق المواصلات، سواء للنقل الداخلي أو الثنائي أو الدولي، وذلك على أساس مبادئ السيادة ووحدة الأراضي والولاية القضائية للدول.

أرمينيا راعت المصالح الحيوية لطهران في اتفاق واشنطن

أؤكد أن يريفان كانت وفية وملتزمة بأجواء الصداقة والثقة المتبادلة ضمن مجمل هذا المسار، وقد راعت رسمياً المصالح الحيوية لطهران، كما أجرت حوارات نشطة بشأن التطورات على مستويات مختلفة.

ومن الجدير بالذكر أن هذه المبادئ شكّلت على الدوام الإطار والمرتكزات الأساسية لكلٍّ من أرمينيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأن الحفاظ عليها ينسجم تماماً مع مصالح البلدين.

تأمين اتصال سككي مباشر بين إيران وجورجيا والبحر الأسود

في أعقاب رفع الحصار وفتح طرق المواصلات، ستحصل أرمينيا على اتصال سككي مع إيران عبر أراضي نخجوان. ويشكّل ذلك فرصة غير مسبوقة لإيران لإقامة اتصال سككي مباشر مع جورجيا والوصول إلى موانئ البحر الأسود. وفي المقابل، ستشكّل إيران مسار عبور سككياً لأرمينيا للاتصال بدول آسيا الوسطى والشرق الأقصى.

وفي الوقت نفسه، يُتوقّع إنشاء وصلات مكملة وجانبية بين مناطق مختلفة داخل أرمينيا، وهو أمر بالغ الأهمية لمنظومتنا اللوجستية والاقتصادية الداخلية.

في مشروع «مسار تريب» تتمتع أرمينيا وأمريكا بحق نقض متساوٍ

ومن القضايا المهمة الأخرى أن أرمينيا وأمريكا تتمتعان بحق نقض متساوٍ فيما يتعلق باستقطاب ومشاركة أطراف ثالثة في إطار مشروع «مسار تريب»، وبالتالي لا يمكن لأي طرف ثالث المشاركة في هذا البرنامج إلا بموافقة يريفان وواشنطن معاً.

تأسيس شركة أرمينية–أميركية لتطوير البنى التحتية

تجري حالياً دراسة الشروط العامة لتنفيذ برنامج «مسار تريب» مع واشنطن بصورة نشطة. ومن المتوقع تسجيل شركة أرمينية–أميركية تحت اسم «TRIPP Company» تُمنح ترخيصاً لتطوير البنى التحتية الضرورية، بما في ذلك السكك الحديدية والطرق، وخطوط أنابيب النفط والغاز، وكابلات الألياف الضوئية داخل أرمينيا.

والافتراض القائم هو أن تبدأ مراحل التنفيذ العملي وأعمال البناء اعتباراً من العام المقبل.

ويتوافق «مسار تريب» بشكل كامل مع المبادرة التي طرحتها حكومتنا تحت عنوان «مفترق طرق السلام»، ومن شأنه، عبر تحوّله إلى عامل رئيسي للسلام المستدام، أن يسهم في تعزيز الترابط الإقليمي المتبادل.

ويسرّني الإشارة إلى أن التفاهمات السياسية المعلنة بشأن الفتح التدريجي لطرق المواصلات بدأت تُظهر نتائج ملموسة على أرض الواقع.

فقد أعلنت أذربيجان في أكتوبر/تشرين الأول رفع القيود عن عبور البضائع إلى أرمينيا عبر أراضيها، ونحن نشهد حالياً أولى النماذج العملية لذلك، والمتمثلة في نقل شحنات من القمح بعربات القطار من كازاخستان مروراً بأذربيجان وجورجيا وصولاً إلى أرمينيا.

كما أكدت أرمينيا مراراً استعدادها السياسي والفني لتأمين عبور البضائع بين تركيا وأذربيجان.

وعليه، يمكن القول إن مشروع «مسار تريب» يقدّم لأرمينيا وأذربيجان وللمنطقة بأسرها نموذجاً جديداً للترابط قائم على الدعم الدولي، ويرتكز إلى مبادئ السيادة، ووحدة الأراضي، والتعامل المتبادل، والولاية القضائية.

وأنا واثق من أن تحقيق هذا المشروع لن يشكّل فقط حافزاً للتعاون الاقتصادي، بل سيسهم أيضاً في ترسيخ السلام والاستقرار في عموم المنطقة.

اتفاق على خط سكة حديد قارص–غيومري ونقل الكهرباء بين أرمينيا وتركيا

تسنيم: ماذا عن مسار تطبيع العلاقات بين أرمينيا وتركيا؟

هاكوبيان: في الواقع، شهدنا مؤخراً تنشيطاً للاتصالات بين أرمينيا وتركيا، وقد جرت هذه الاتصالات على مختلف المستويات، بما في ذلك قادة البلدين، ووزراء الخارجية، والممثلين الخاصين، إضافة إلى الوزارات المعنية بالسياسة الخارجية والمجالات ذات الصلة.

وتواصل أرمينيا، بهدف التوصل إلى إقامة علاقات دبلوماسية وفتح الحدود ورفع الحصار عن جميع البنى التحتية، مشاركتها البنّاءة في مسار التسوية بكل جدية.

وقد عُقد هذا العام الاجتماع الدوري للممثلين الخاصين لأرمينيا وتركيا في يريفان، حيث نوقشت خلاله آليات تنفيذ التفاهمات التي تم التوصل إليها.

وتشمل هذه التفاهمات تشغيل معبر ماركارا–عليجان الحدودي، وتنفيذ برامج إعادة تأهيل خط سكة حديد قارص–غيومري، وخط نقل الكهرباء بين أرمينيا وتركيا.

ومن منظور الترابط الإقليمي، تكتسب إعادة تشغيل خط قارص–غيومري أهمية محورية، إذ سيشكّل هذا الخط، إلى جانب مشروع «مسار تريب»، شبكة سكك حديدية تربط دول جنوب القوقاز الثلاث بالمناطق المجاورة.

ويسرّني أن أبلغكم بأن ممثلي المؤسسات المعنية في البلدين أجروا قبل أيام المرحلة الثانية من الدراسات الفنية المتعلقة بإعادة تأهيل هذا الخط وتشغيله، وهو ما يعكس الطابع العملي والمتواصل لهذا المسار.

ونحن على ثقة بأن مبادئ رفع انسداد البنى التحتية الواردة في البيان الثلاثي لواشنطن، والتنفيذ السريع لمشروع «مسار تريب»، ستوفّر بيئة مواتية تتيح الانتقال إلى الخطوة التالية، والمتمثلة في إقامة العلاقات الدبلوماسية بين أرمينيا وتركيا ورفع الانسداد الكامل عن البنى التحتية.

وبصورة عامة، يمكنني القول إن مسار تطبيع العلاقات مع تركيا يشهد تقدماً ملحوظاً، وإذا ما استمر هذا الزخم، فسيكون بالإمكان تهيئة بيئة أكثر تشاركية وقابلية للتنبؤ في المنطقة، وهو أمر بالغ الأهمية لكل من أرمينيا والمنطقة بأسرها.

حوار: علي حيدري

/انتهى/