عراقجي: أمريكا غير مستعدة للتوصل إلى اتفاق عادل
- الأخبار ایران
- 2025/12/21 - 10:56
وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء بأن سيد عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، أجرى خلال زيارته إلى موسكو مقابلة مع شبكة «روسيا اليوم»، تناول فيها آفاق مواصلة المفاوضات مع الولايات المتحدة، وقال: إن الأمر يتوقف على ما إذا كانوا قد أدركوا أن التفاوض يختلف عن الإملاء. نحن مستعدون لاتفاق عادل ومتوازن يتم التوصل إليه عبر التفاوض، لكننا لسنا مستعدين لقبول الإملاءات.
وفيما يتعلق بوضع الصناعة النووية الإيرانية، أوضح عراقجي: الحقيقة هي أن منشآتنا تعرضت لأضرار، وبشكل جسيم، لكن هناك حقيقة أخرى أيضًا، وهي أن تقنيتنا ما زالت قائمة، والتكنولوجيا لا يمكن قصفها.
وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:
المذيع: أنتم موجودون في موسكو، الدولة التي تضم في وزارة خارجيتها آليات الدبلوماسية التقليدية، إلى جانب فريق عمل خاص للتواصل مع إدارة ترامب، ولا سيما عبر المبعوث الرئاسي الخاص ستيف ويتكوف. أعلم أن هذا المسار كان مفتوحًا أيضًا أمام إيران. هل ترون هذا المسار أكثر فاعلية أو أملًا من الدبلوماسية المؤسسية التقليدية عبر وزارة الخارجية الأمريكية؟
عراقجي: في الواقع، كنت على تواصل مع ستيف ويتكوف، وإن لم يكن ذلك في هذه الأيام، إذ قررنا منذ بضعة أشهر وقف هذه الاتصالات. كنت أتفاوض معه بشأن البرنامج النووي الإيراني. أجرينا خمس جولات من المفاوضات، بل وحددنا الجولة السادسة في 15 يونيو/حزيران، غير أن الإسرائيليين شنّوا هجومًا علينا قبل يومين من ذلك. كان هذا الهجوم غير قانوني ومن دون أي استفزاز مسبق، ثم انضمت إليه الولايات المتحدة لاحقًا.
كان من الغريب حقًا أن يقرروا مهاجمتنا في خضم المفاوضات. لقد كانت تجربة شديدة المرارة بالنسبة لنا، وسبقها أيضًا اختبار مرير آخر حين قررت الولايات المتحدة، من دون أي مبرر وجيه، الانسحاب من اتفاق عام 2015 المعروف بالاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة).
في الواقع، كان السبب الوحيد هو أن رئيسًا أمريكيًا لم يكن راضيًا عن إنجازات الحكومة السابقة. وبعد هذه الحرب التي استمرت اثني عشر يومًا، واصلتُ التواصل مع ستيف ويتكوف وتبادلنا وجهات النظر. كانوا يُصرّون على استئناف المفاوضات، لكنني أرى أن هذا الإصرار كان مقترنًا بنهج خاطئ تمامًا.
المذيع: اسمح لي أن أسألك عن هذا النهج تحديدًا. فقد سمعنا أنك قلت بعد هجمات يونيو/حزيران على المنشآت النووية الإيرانية إن إيران لا تستجيب إيجابيًا للتهديد والضغط، لكنها تستجيب للاحترام والكرامة. هل تعتقد أن الإدارة الأمريكية الحالية ما زالت قادرة على تبني مثل هذا النهج؟
عراقجي: هذا يتوقف على ما إذا كانوا سيصلون إلى قناعة بأن التفاوض يختلف عن الإملاء. نحن مستعدون لاتفاق عادل ومتوازن يتم التوصل إليه عبر التفاوض، لكننا غير مستعدين لقبول الإملاءات. وإذا ما تقدموا إلينا بفكرة عادلة ومتوازنة لحل تفاوضي قائم على المصالح المتبادلة للطرفين، فسنقوم بدراستها.
في الواقع، كما تعلمون، شهدنا حتى في عام 2025 تجارب مريرة، فضلًا عن السنوات السابقة. تفاوضنا، لكننا تعرضنا للهجوم في الوقت نفسه. ومرة أخرى، دخلنا في مفاوضات على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة لإيجاد حل لما يسمى بآلية «الزناد». قدمنا أفكارًا جيدة، لكن جميعها قوبلت بالرفض. عندها توصلنا إلى نتيجة مفادها أن الأمر كافٍ. هم غير مستعدين لاتفاق عادل، ولذلك علينا الانتظار إلى أن يصلوا إلى تلك المرحلة، وعندها يمكننا الدخول في حوار.
المذيع: تحدثتم عن عامل الزمن. لقد مضت ستة أشهر على الهجمات الأمريكية التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية في نطنز وفوردو، ولا تزال حجم الأضرار موضع نقاش وتكهنات. فعلى سبيل المثال، أعلن البنتاغون في تقييمه أن البرنامج النووي الإيراني تراجع ما بين عام وعامين. هل ترون هذا التقييم موثوقًا؟
عراقجي: الحقيقة هي أن منشآتنا تعرضت لأضرار، وبشكل جسيم. لكن هناك حقيقة أخرى أيضًا، وهي أن تقنيتنا ما زالت قائمة، والتكنولوجيا لا يمكن قصفها. كما أن عزمنا وإرادتنا لا يزالان قائمين. لدينا حق مشروع كامل في الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية، بما في ذلك التخصيب، ونعتزم ممارسة هذا الحق. لقد طورنا هذه التكنولوجيا بأنفسنا، وقدم علماؤنا تضحيات كبيرة في سبيلها، كما ضحّى شعبنا أيضًا؛ إذ عانى من العقوبات، وها هو اليوم يعاني من حرب مدمّرة للغاية. لذلك لا يمكننا التنازل عن حقوقنا.
وفي الوقت نفسه، نحن مستعدون لتقديم ضمانات كاملة بأن برنامجنا سلمي وسيبقى سلميًا إلى الأبد. هذا بالضبط ما قمنا به في عام 2015، حين قبلنا، مقابل رفع العقوبات، باتخاذ إجراءات لبناء الثقة بشأن الطبيعة السلمية لبرنامجنا. وقد كان هذا المسار ناجحًا. الولايات المتحدة، والدول الأوروبية الثلاث، وروسيا، والصين، تعاملوا معنا بلغة الاحترام، وطالبوا باتفاق عادل يقوم على بناء الثقة مقابل رفع العقوبات، فاستجبنا إيجابيًا. وكانت النتيجة متميزة؛ توصلنا إلى اتفاق احتفى به العالم بأسره باعتباره إنجازًا دبلوماسيًا.
إذن لدينا تجربتان: تجربة الدبلوماسية، وتجربة العمل العسكري. التجربة العسكرية لم تحقق أهدافها، بينما كانت التجربة الدبلوماسية ناجحة. أمامنا هذان الخياران، والاختيار يعود إلى الولايات المتحدة.
المذيع: تطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية حاليًا بالوصول إلى المنشآت المتضررة، في حين تصرّ إيران على ضرورة مراجعة آليات التفتيش بعد الهجمات الإسرائيلية والأمريكية على البنى التحتية. ما نوع التغييرات التي تتوقعونها في نهج الوكالة؟ وهل يكفي مجرد إدانة هذه الهجمات، أم أنكم تنتظرون مراجعة حقيقية لآليات عملها؟
عراقجي: أرى أنه من المؤسف للغاية أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومديرها العام لم يتمكنا من إدانة الاعتداء على منشأة نووية سلمية كانت خاضعة لإشراف وضمانات الوكالة. لقد تحوّل ذلك إلى سابقة سيئة جدًا في تاريخ الوكالة. أما مسألة تفتيش المنشآت التي تعرضت للهجوم، فهي قضية مختلفة.
نحن ما زلنا عضوًا ملتزمًا في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، ومستعدون للتعاون مع الوكالة. لكن لدينا سؤال بسيط نطرحه على الوكالة: كيف يمكن تفتيش منشأة نووية تعرضت لهجوم؟ لا توجد إجابة عن هذا السؤال، لأنه لا توجد أي سابقة في هذا المجال.
لذلك اتفقنا، ووافقت الوكالة أيضًا، على ضرورة التفاوض لإيجاد آلية وإطار محددين لعملية التفتيش في مثل هذه الحالات. هذا الموضوع مطروح الآن على الطاولة، وعلينا الجلوس مع الوكالة والتحاور بشأنه.
المذيع: أنتم الآن في روسيا، وهي دولة واجهت بدورها مشكلة مشابهة إلى حد ما مع الوكالة، إذ امتنعت الوكالة، لأسباب تبدو سياسية، عن إدانة الهجمات العسكرية على محطة زابوريجيا النووية. برأيكم، لماذا تُبدي الوكالة هذا القدر من التساهل إزاء ما يبدو وكأنه قبول متزايد بـ«الإرهاب النووي»؟ وهل تعتقدون أن بإمكان إيران وروسيا اتخاذ خطوات مشتركة في هذا الصدد، لا سيما أن هذه المخاوف تبدو مشتركة؟
عراقجي: من المفترض أن تكون الوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤسسة مهنية، لكنها في الواقع باتت مؤسسة سياسية، أو تحوّلت إلى ذلك بفعل تأثير بعض الدول داخل مجلس المحافظين. المدير العام للوكالة عالق فعليًا بين هذه الضغوط، إذ تتوقع منه بعض الأطراف اتخاذ مواقف محددة. وأعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي لامتناع الوكالة عن إدانة الهجوم على منشأة نووية كانت خاضعة لضماناتها.
هذا يُعدّ أكبر انتهاك للقانون الدولي. فقصف منشأة نووية سلمية اعتُبر، في نظر العالم بأسره، انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي، ومع ذلك امتنعت الوكالة، شأنها شأن العديد من الدول الأوروبية، عن إدانته، وهو أمر مؤسف للغاية.
برأيي، ينبغي على الوكالة أن تعود إلى أداء دورها المهني، وأن تتجنب أي تسييس، وأن ترفض أي مطالب ذات دوافع سياسية. وأعتقد أن روسيا، بوصفها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن وأحد الأعضاء البارزين في مجلس محافظي الوكالة، مطالبة بالتمسك بهذا المبدأ، وهو ما تقوم به بالفعل، وبشكل منصف، على الدوام.
المذيع: تعتبر إيران تخصيب اليورانيوم مسألة مرتبطة بالكرامة الوطنية والفخر الوطني والإنجاز العلمي، وفي الوقت الذي تؤكدون فيه عدم الاستعداد للتنازل عن هذا الحق، أعلنتم في المقابل استعدادكم لتقديم ضمانات للأمريكيين بشأن الطابع السلمي لهذا البرنامج. ما الذي يمكن أن يُرضي الولايات المتحدة في هذا الإطار، ولا سيما أنكم ـ كما ذكرتم ـ تعاونتم بحسن نية، ومع ذلك يبدو أن شيئًا لا يكفيهم؟
وإذا سمحتم لي بسؤال مكمّل: ما الفائدة التي يمكن أن تجنيها الولايات المتحدة من تغيير نهجها العدائي تجاه إيران؟
عراقجي: أولًا وقبل كل شيء، التخصيب هو حقّنا، ثم إنه مسألة تتعلق بالكرامة والفخر الوطنيين، لأنه ثمرة إنجازات علمائنا أنفسهم. وأعتقد أن اعتراف الولايات المتحدة بهذا الحق يمكن أن يشكل خطوة إيجابية لصالح نظام عدم الانتشار.
فعندما هاجموا منشآتنا النووية ـ وهي منشآت سلمية وخاضعة للضمانات ـ وجّهوا في الواقع أول ضربة إلى نظام عدم الانتشار نفسه. هذا الإجراء أضعف ذلك النظام الذي يُعد بالغ الأهمية للأمن والاستقرار في العالم بأسره. إن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) معاهدة أمنية بالغة الأهمية وتحظى بالاحترام عالميًا، وبموجبها يحق للدول الملتزمة بتعهداتها الاستفادة من الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية. وعندما تُسلب هذه الحقوق من دولة بعينها، فإن ذلك يضعف معاهدة عدم الانتشار برمتها.
لذلك، أرى أن أفضل ما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة من أجل العالم، وليس فقط من أجل منطقتنا أو إيران، هو احترام معاهدة عدم الانتشار والاعتراف بحق الدول التي ترغب في ممارسة حقوقها المنصوص عليها في إطار هذه المعاهدة.
المذيع: معالي الوزير، قبل الفاصل كنا نتحدث عن الهجمات الأمريكية والإسرائيلية على منشآتكم النووية. ومنذ ذلك الحين، واصلت الولايات المتحدة تعزيز وجودها العسكري في المنطقة، ولا سيما البحري منه. في ضوء ما يجري في المنطقة، وخاصة السياسات التوسعية العسكرية لإسرائيل، هل ترون أن هذا التعزيز في الوجود العسكري الأمريكي عامل استقرار أم عامل زعزعة للاستقرار في المرحلة الراهنة؟
عراقجي: المسألة واضحة تمامًا؛ هذا الوجود يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة وزيادة التوتر، وهو في الواقع تصعيد للأوضاع. فخلال العامين الماضيين، شنّ الإسرائيليون هجمات على سبع دول في المنطقة، وما زالوا يواصلون تهديداتهم.
كما أنهم ينتهكون باستمرار اتفاقات وقف إطلاق النار التي وقّعوها، سواء في غزة أو في لبنان، في حين تبدي الولايات المتحدة، بوصفها الضامن لتلك الاتفاقات، لا مبالاة إزاء هذه الخروقات. هذه حقائق مقلقة ترفع منسوب التوتر في المنطقة، وتزيد من مستوى انعدام الثقة بالولايات المتحدة، وتؤدي في نهاية المطاف إلى جعل المنطقة أقل أمنًا.
المذيع: هل توجد داخل إيران مخاوف من هجوم آخر قد تشنه الولايات المتحدة، أو حتى من عملية عسكرية أوسع نطاقًا ضد البلاد؟
عراقجي: بطبيعة الحال، لا نستبعد هذا الاحتمال، لكننا مستعدون له بالكامل، بل أكثر استعدادًا من ذي قبل. وهذا لا يعني أننا نرحّب بحرب أخرى، بل على العكس تمامًا؛ فهدفنا هو منع الحرب. وأفضل وسيلة لمنع الحرب هي الاستعداد لها. نحن مستعدون تمامًا، وقد أعدنا في الواقع بناء كل ما تضرر في العدوان السابق. وإذا ما أرادوا تكرار التجربة الفاشلة نفسها، فلن يحققوا نتيجة أفضل.
المذيع: دعني أسألكم تحديدًا عن إسرائيل، إذ أشرتم إلى أنها هاجمت خلال العام الماضي سبع دول مجاورة. هل تتوقعون أن تواصل إسرائيل هذا النهج في عام 2026 أيضًا، أم تعتقدون أن ذروة هذه السلوكيات قد باتت وراءنا؟
عراقجي: لا، هذا السلوك لم يتوقف. ولذلك أعتقد أنهم سيواصلون نهجهم العدواني، وأتوقع أن يستمر هذا المسار في عام 2026 أيضًا. هناك سبب واحد فقط لاستمرارهم في هذه التصرفات، وهو الحصانة الكاملة من المساءلة التي توفرها لهم الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وهذا أمر بالغ الخطورة، لأنه يحوّل النظام القائم ـ ليس في منطقتنا فحسب، بل على مستوى العالم كله ـ إلى حالة من الفوضى.
يبدو أننا عدنا إلى شريعة الغاب، حيث يفرض الطرف الأقوى والأكثر عنفًا إرادته على الآخرين. إن هذا الوضع يقوّض مجمل منظومة القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وهو أمر بالغ الخطورة.
المذيع: قد يكون الأمر أسوأ حتى من «شريعة الغاب»، ولا سيما أن أزمة غزة تُوصَف اليوم على نطاق واسع بأنها إبادة جماعية، وهو ما ألحق ضررًا بالغًا بمكانة إسرائيل على الصعيد الدولي. وإلى حدّ ما، يؤكد ذلك الانتقادات التي دأبت إيران على توجيهها لسلوكيات إسرائيل، لكنه يكشف في الوقت نفسه عجز المجتمع الدولي، أو عدم رغبته، في اتخاذ أي إجراء فعّال. في هذه المرحلة، ما الأفق الذي ترونه لقضية فلسطين؟
عراقجي: برأيي، هذا الأمر يعود في المقام الأول إلى الفلسطينيين أنفسهم ليقرروا بشأنه. لكني أعتقد أنهم اختاروا طريق المقاومة، لأنه في الحقيقة ما الخيار الآخر المتاح أمامهم؟ حتى حين يُتحدّث عن إقامة دولة فلسطينية، نرى عددًا كبيرًا من الدول قد اعترف بها، وهذا العدد في ازدياد، لكن اسألوا الفلسطينيين: أين دولتهم؟ إنها موجودة فقط على الورق، في حين تستمر عمليات القتل. فحتى بعد وقف إطلاق النار الأخير، قُتل حتى اليوم أكثر من 350 فلسطينيًا على يد القوات الإسرائيلية.
ما لم تتحقق العدالة للفلسطينيين، وما لم يكن هناك أمل بمستقبلهم وحقهم في تقرير المصير، فلن يكون هناك سلام. وطالما تُحرم العدالة عن الفلسطينيين، لا أعتقد أنه يمكن التوصل إلى سلام مستدام. قد يكون من الممكن تحقيق نوع من الهدوء المؤقت، لكن إذا نظرنا إلى السنوات الثماني الماضية، نجد أنه تم طرح أكثر من 150 مبادرة وخطة مختلفة لحل هذا الصراع بين الفلسطينيين والمعتدين الإسرائيليين، ولم ينجح أيٌّ منها. لماذا؟ لأن جميعها افتقرت إلى عنصر العدالة.
المذيع: معالي الوزير، من وجهة نظر إيران، هل ما زال ما يُعرف بحل «الدولتين» خيارًا عمليًا؟ وهل يمكن لإيران أو روسيا أو غيرها من الفاعلين الدوليين القيام بخطوات تتيح ظروفًا إنسانية أفضل للشعب الفلسطيني؟
عراقجي: نحن نعتقد منذ البداية أن حل الدولتين ليس حلًا لمشكلة منطقتنا. الحل الوحيد هو التوجه نحو دولة ديمقراطية واحدة. هذا الموقف الإيراني قائم منذ سنوات طويلة؛ فمنذ عام 1948، عندما طُرح التصويت على إقامة دولتين في فلسطين ـ دولة عربية وأخرى يهودية ـ صوّتت إيران آنذاك ضد هذا الطرح. وقد قال ممثل إيران في الجمعية العامة للأمم المتحدة في ذلك الوقت إنكم بهذا القرار لا تفعلون سوى إخفاء النار تحت الرماد، وهذه النار ستشتعل من جديد.
وكان محقًا في ذلك. نحن نرى أن حل الدولتين غير قابل للتطبيق لأسباب عديدة لا يتسع الوقت لشرحها جميعًا، لكننا نؤمن بأن دولة ديمقراطية واحدة يمكن أن تكون الحل. ويمكنني أن أحيلكم إلى تجربة جنوب أفريقيا؛ فعندما سقط نظام الفصل العنصري، لم يسعَ أحد إلى إقامة دولتين، واحدة للسود وأخرى للبيض، بل اتجهوا نحو دولة ديمقراطية واحدة يعيش فيها السود والبيض معًا بسلام.
وعندما يُطرح حل الدولتين، يبقى سؤالي قائمًا: أين هي دولة فلسطين؟ إنها موجودة فقط على الورق، ولا يوجد أي أفق حقيقي لتجسيدها على أرض الواقع.
المذيع: أود الآن أن أسألكم عن العلاقات الثنائية بين روسيا وإيران، في ظل تعرض البلدين لضغوط اقتصادية وسياسية متشابهة من جانب الغرب. لقد تعاونتما في قضايا الأمن الإقليمي، وفي الوقت نفسه اعتمد كل منكما مسار التنمية القائم على السيادة الوطنية والاكتفاء الذاتي. إلى أي مدى أسهمت خصومة الغرب في تعزيز هذه الشراكة؟ وهل أنتم راضون عن مسار تطور العلاقات الثنائية؟
عراقجي: نعم، نحن راضون تمامًا. نتمتع بعلاقات جيدة جدًا، وقد وقّعنا في وقت سابق اتفاقية شراكة استراتيجية، وكان ذلك العام الماضي أو في مطلع هذا العام، إن لم أكن مخطئًا. وبموجب هذه الاتفاقية، اتخذنا خطوات إيجابية للغاية، ونعمل معًا ونتشاور في مختلف المجالات.
يمكنني القول إن علاقاتنا مع روسيا شاملة ومتعددة الأبعاد، وتشمل جميع المجالات. لدينا مشاورات سياسية جيدة جدًا حول كل القضايا تقريبًا، من البرنامج النووي السلمي الإيراني إلى تطورات المنطقة، والتطورات في أوروبا وأوكرانيا، فضلًا عن القضايا الدولية والملفات الثنائية.
توجد بيننا مشاورات مستمرة ومنتظمة. وقد جرى آخر لقاء بين رئيسي البلدين قبل أيام، يوم الجمعة، في عشق آباد بتركمانستان، حيث استعرض الرئيسان العلاقات الثنائية وتطرقا إلى القضايا المهمة للطرفين. كما تشمل علاقاتنا التعاون في إطار المنظمات الدولية.
المذيع: دعني أطرح سؤالًا عن بُعد آخر من علاقاتكم الثنائية، وهو علاقتكم مع المملكة العربية السعودية. فقد مرّ عامان على استئناف العلاقات الدبلوماسية بوساطة فاعلة من الصين. كيف تقيّمون ديناميكية هذا المسار؟ وهل تعتقدون أن سياسات إسرائيل ـ إن أردنا التعبير دبلوماسيًا ـ أسهمت في دفع هذا المسار؟
عراقجي: يجب أن أقول إننا نتمتع بعلاقات جيدة جدًا مع المملكة العربية السعودية. وخلال العامين اللذين أعقبَا استئناف العلاقات بجهود صينية، يمكنني القول إن كلا الطرفين وجد في الطرف الآخر شريكًا جادًا. وقد تمكنا من بناء قدر أكبر من الثقة في العلاقات الثنائية.
نحن اليوم نتشاور معًا بشأن القضايا الإقليمية، وقضية فلسطين، وحتى الملف النووي. كما أن تبادل الوفود بيننا يجري على نحو جيد. وخلال الثلاثين يومًا الماضية، إن لم أكن مخطئًا، زار نائبان لوزير الخارجية السعودي طهران في مهمتين منفصلتين، وكانت إحدى الزيارتين متعلقة بالاجتماع الثلاثي مع الصين.
وعليه، فإن تعاوننا متين، ومستوى الثقة المتبادلة في ازدياد. وهذا الأمر لا يقتصر على السعودية فحسب، بل يشمل أيضًا سائر دول الخليج الفارسي والمنطقة ككل. وأود أن أضيف نقطة هنا: رغم أن نتنياهو ارتكب جرائم عديدة وأقدم على الكثير من الأفعال السلبية، إلا أنه قام بأمر إيجابي واحد؛ إذ أظهر لجميع دول وشعوب المنطقة أن هناك تهديدًا واحدًا فقط، وهو إسرائيل، لا إيران ولا أي دولة أخرى.
فالتهديد الأساسي والرئيسي لأمن واستقرار المنطقة، ولكل دولها دون استثناء، هو إسرائيل، ولا سيما بعد الحديث عن «إسرائيل الكبرى»، وهو ما أثار قلق جميع دول المنطقة، خصوصًا عندما تعرّضت قطر، الحليف والصديق للولايات المتحدة، لهجوم.
لقد أظهرت هذه التصرفات أنهم لا يميزون بين دول المنطقة. ولذلك باتت إسرائيل اليوم تُعدّ أكبر تحدٍّ وأكبر تهديد في المنطقة، وهو ما أسهم في تحسين علاقاتنا الثنائية مع دول الإقليم أكثر من ذي قبل، نتيجة ازدياد الثقة والاطمئنان المتبادل.
المذيع: اسمح لي أن أطرح سؤالًا ذا طابع شخصي وأكاديمي إلى حدّ ما. أعلم أنك حصلت قبل نحو ثلاثين عامًا على درجة الدكتوراه في مجال الفكر السياسي، وكانت أطروحتك مخصّصة لدراسة تطور المشاركة السياسية في الفكر السياسي الإسلامي في القرن العشرين. بصفتك دبلوماسيًا وصانع قرار، كيف تنظر إلى الاتجاهات الرئيسية للسياسة والاختيار الديمقراطي في البلدان الإسلامية خلال هذا القرن؟ أعلم أن هذا السؤال قد يصلح ليكون موضوع أطروحة أخرى، لكن أرجو أن تلخّصه في دقيقة واحدة.
عراقجي: للإجابة عن هذا السؤال، أحتاج في الواقع إلى إلقاء محاضرة كاملة. لكن باختصار، أعتقد أن البلدان الإسلامية باتت أكثر اهتمامًا بالمؤسسات الديمقراطية، وأن مستوى المشاركة السياسية لدى الشعوب آخذ في الارتفاع. صحيح أن هذا المسار يختلف من بلد إلى آخر، لكنني أرى أن التوجّه العام في العالم الإسلامي يسير نحو مزيد من الديمقراطية وتعزيز المؤسسات الديمقراطية، وأعتقد أن هذا تطور إيجابي.
لقد لمسنا هذا المسار في بلدنا أيضًا. فنحن اليوم لدينا جمهورية إسلامية سعت، منذ الثورة، إلى إيجاد صيغة للتعايش بين المبادئ الإسلامية والمؤسسات الديمقراطية. وأعتقد أن هذه التجربة آخذة في الانتشار في المنطقة، مع الأخذ في الاعتبار أن لكل بلد مبادئه وقيمه وتقاليده وخلفيته التاريخية الخاصة.
وأؤمن بأن الديمقراطية يجب أن تنبع من داخل كل مجتمع، لا أن تُفرض عليه من الخارج. وقد كان سبب إخفاق الديمقراطية في العديد من المناطق هو محاولة الغربيين فرض نماذجهم الخاصة على بلدان أخرى، وهو أمر لا أراه فكرة صائبة. فالديمقراطية ينبغي أن تتشكل من الداخل، وأن تراعي قيم كل شعب وتقاليده وتاريخه ومعتقداته.
/انتهى/