*جعفر بن محمد سقاف الكاف
الانفصال في جوهره اعتراف بالهزيمة.. هزيمة الدولة، وهزيمة النخبة، وهزيمة الوعي الجمعي.
هو إعلانٌ غير مباشر بأننا لم نستطع إصلاحَ البيت؛ فقرّرنا هدمَه وتقسيمَ أنقاضه.
الشعوب المتقدمة تعالج أزماتِها بالمؤسّسات والقانون والعدالة، أما الشعوب المتخلفة فتتعامل مع أزماتها بالفأس.. تقسيمًا وتمزيقًا.
المشكلة الأخطر ليست في فكرة الانفصال ذاتها، بل في السياق الذي تُطرَحُ فيه.
في عالم تحكمه المصالح لا المبادئ، لا توجدُ دولة ترعى انفصالًا لوجه الله أَو حبًّا في حقوق الشعوب.
كُـلّ يد خارجية تمتد لدعم انفصال ما، إنما تمتد بحثًا عن نفوذ أَو ثروة أَو موقع استراتيجي.
وهنا تصبح الأقاليم الضعيفة لقمة سائغة، لا كَيانًا مستقلًّا.
حضرموت تحديدًا ليست تفصيلًا جغرافيًّا عابرًا؛ هي أرض واسعة، غنية، ذات موقع حساس، ومعقَّد.
وأي طرح ساذج يجعل منها مشروع انفصال غير محسوب، يفتح شهيّة الطامعين قبل أن يفتح باب الحرية لأهلها.
حضرموت لا تحتمل أن تُختزل في ورقة تفاوض، ولا أن تتحول إلى غنيمة سياسية تتقاسمها دولٌ تبحث عن موطئ قدم أَو ثروة مضمونة.
الخطر الحقيقي أن يُسوّق الانفصال لشعوب أنه كرامة، بينما هو في الواقع انتقال من تبعية داخلية إلى تبعية خارجية؛ من ظلم قريب نعرفُه، إلى استغلال بعيد أظلم لا نراه إلا بعد فوات الأوان.
التاريخ مليء بدول انفصلت ففقدت سيادتَها، ولم تربح سوى عَلَمٍ جديدٍ ونشيدٍ بلا معنى.
القضية ليست وحدة عمياء ولا انفصالًا أعمى، بل وعي سياسي.
إصلاحُ الدولة أصعبُ من تمزيقها، لكنه الطريقُ الوحيدُ الذي لا يحوِّلُ الأرضَ إلى سلعة.
أما اللعبُ بورقة الانفصال في بيئة متخلِّفة سياسيًّا، فهو كمن يُشعِلُ النارَ في بيته احتجاجًا على انقطاع الكهرباء.
حضرموت ليست كعكة تُقسَّم، وليست ساحةَ تجارب لأوهام النخب الانفصالية المارقة، وأيُّ مشروع لا يحميها من أن تكون لقمةً سائغةً لأطماع بعض الدول، هو مشروعُ خيانة مقنّعة، مهما ارتدى من شعارات برَّاقة.
الانفصال قد يكون خيارًا في دول ناضجة، لكنه في واقعنا العربي غالبًا نتيجةَ فشل.. لا حلًّا.
/انتهى/