يوم القدس العالمي ... قضية وفكرة ورجل

یوم القدس العالمی ... قضیة وفکرة ورجل

ان الامام الراحل الخميني(رض) حرص على ان لا يحصر القضية الفلسطينية بحدود مذهبية وطائفية ضيقة، باختياره التقويم الهجري لاستذكارها والإبقاء عليها حاضرة دوما في نفوس وقلوب المسلمين على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم وانتماءاتهم المذهبية والقومية والطائفية والعقائدية والسياسية.

ان تتناول حدثا عاديا، فهذا امر لا ينطوي على مشقة وعناء كبيرين، ولكن حينما يكون الحدث استثنائيا ويمثل نقطة تحوُّل كبرى وانعطافة مهمة في مسيرة الوقائع والأحداث، فمن الطبيعي جدا ان تكون أية قراءة له خاضعة لعدة عوامل وظروف وخلفيات تأريخية مرتبطة بتوقيت ذلك الحدث وبصانعه وأطرافه وأدواته.

يوم القدس العالمي، يعد واحدا من الأحداث التأريخية الكبرى التي شهدتها المنطقة والعالم في مفصل زمني حساس وخطير جدا، وفي خضم واقع سياسي معقد وشائك الى ابعد الحدود. ولعل أهمية يوم القدس العالمي كحدث، ينطلق من القضية التي تمحور حولها، ومن كونه فكرة غير مسبوقة، وينطلق كذلك من صاحب الفكرة وصانع الحدث.

ومجرد ان ذلك الحدث يتجدد سنويا على امتداد سبعة وثلاثين عاما، وأكثر من ذلك يتوسع افقيا وعموديا، سياسيا وجماهيريا ونخبويا واكاديميا، اسلاميا وعالميا، فهذا يعني انه يمثل حدثا متجددا وفاعلا ومهما، وليس عابرا ولا هامشيا.

   والقضية التي انطلق منها وتمحور حولها يوم القدس العالمي، هي القضية الفلسطينية بمعناها الواسع وإطارها الشمولي، المتمثل باغتصاب ارض، وانتهاك مقدسات وحرمات، وتشريد شعب، عبر تزييف التأريخ واختلاق نظريات وعقائد دينية لا أساس لها من الصحة، ورغم الكثير من الصخب والضجيج والشعارات الثورية العريضة التي رفعت حتى قبل قيام الكيان الصهيوني في حزيران-يونيو في عام ١٩٤٨، ورغم الحروب المتلاحقة التي خاضها العرب ضد الصهاينة طيلة عقود من الزمن، الا ان مظاهر الانكسار والانهزامية والتخاذل العربي بقيت هي المهيمنة والطاغية على عموم المشهد العربي العام، مقابل الغطرسة والعجرفة الصهيونية، وكل ذلك كان سببه طبيعة الأنظمة السياسية الحاكمة في معظم البلدان العربية، وارتباطاتها المشبوهة بالقوى الاستكبارية الكبرى وتبعيتها المذلة لها، وكذلك تشتت الشعوب العربية وانشغالها وإشغالها بهمومها ومشاكلها وأزماتها الخاصة المختلقة في جانب كبير منها من قبل الأنظمة الحاكمة والقوى الاستكبارية.

   وحتى من كان يريد مواجهة الكيان الصهيوني بصدق واخلاص وشجاعة، كان يتعرض لشتى انواع الضغوطات والمؤامرات والاستهدافات، ولعل ذلك لم يك أمرا مستغربا داخل الكيان الفلسطيني نفسه، وفي إطار الواقعين العربي والإسلامي على وجه العموم.

   ومن دون أدنى شك، كان نظام الشاه الإيراني احد ابرز القوى الإقليمية الداعمة والمساندة للكيان الصهيوني، وسقوطه المدوي في شباط-فبراير عام ١٩٧٩ عبر ثورة كبرى قادها الراحل الامام الخميني، مثل صدمة عنيفة للكيان الصهيوني وكل القوى الدولية والإقليمية الداعمة والمساندة له، اذ تحولت ايران من حليف أساسي واستراتيجي للكيان الصهيوني الى العدو والخصم رقم واحد، وبدل ما كان العلم الاسرائيلي يرفرف في سماء العاصمة الإيرانية طهران، اصبح العلم الفلسطيني هو الذي يرفرف هناك بعد فترة وجيزة من انتصار الثورة، وفتحت الثورة الاسلامية أبواب ايران على مصاريعها للقادة والزعماء الفلسطينيين، وبات احد اهم معايير علاقاتها الخارجية مع الأطراف الدولية والإقليمية هو طبيعة العلاقة مع الكيان الصهيوني والموقف من القضية الفلسطينية، ويوم القدس العالمي عبر في جوهره عن حقيقة موقف وتوجه الجمهورية الاسلامية الإيرانية حيال القضية الفلسطينية، وهو موقف وتوجه مبدئي لم تحكمه المصالح والحسابات الضيقة، والدليل على ذلك، ان ايران تعرضت لشتى الضغوطات والحملات السياسية والعسكرية والإعلامية والنفسية والاقتصادية جراء ذلك المواقف المبدئي.

   اما فكرة تحديد يوم باسم القدس، ليكون اخر جمعة من شهر رمضان من كل عام، فهي وبحسب من عايشوا وواكبوا الامام الخميني خلال المراحل الاولى للثورة، كانت من بنات أفكار الامام نفسه، ولم يقترحها عليه شخص او فريق استشاري معين، وجعل هذا اليوم عالميا، اريد من خلاله إطلاق رسالة مفادها ان القضية الفلسطينية قضية عالمية ليست محصورة باطار عربي واسلامي، وتنطوي على ابعاد إنسانية اكثر منها سياسية تحركها المصالح وألاجندات الخاصة.

   ولأجل ان يترسخ الطابع الشمولي ليوم القدس العالمي، فقد اختير شهر رمضان ليكون فضاء له، ومن المعروف ان لشهر رمضان مكانة ورمزية خاصة لدى عامة المسلمين، ارتكزت الى حقائق مستنبطة من القران الكريم والسنة النبوية الشريفة، واكثر من ذلك اختير يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان ليكون يوم القدس العالمي، ويوم الجمعة يعد من الايام المميزة والمباركة في العقيدة والثقافة الاسلامية، بعبارة اخرى يمكن القول ان الامام الراحل الخميني حرص على ان لا يحصر القضية الفلسطينية بحدود مذهبية وطائفية ضيقة، باختياره التقويم الهجري لاستذكارها والإبقاء عليها حاضرة دوما في نفوس وقلوب المسلمين على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم وانتماءاتهم المذهبية والقومية والطائفية والعقائدية والسياسية.

  وطبيعة القضية، وجوهر الفكرة، يستتبع الإشارة الى-والتوقف عند- صانع الحدث، الذي لولا شجاعته وإقدامه ورجاحة عقله وقوة حجته وسعة رؤيته، لما بقي يوم القدس العالمي يتصدر قائمة الأحداث في كل عام، ليبقي القضية الفلسطينية في أولويات قضايا المسلمين، ولعل النقطة المهمة للغاية ان الإمام الخميني لم يكن يهدف من وراء يوم القدس العالمي الى تحقيق مكاسب وطنية او قومية لبلاده، بقدر ما سعى صادقا الى اعادة الروح للقضية التي دخلت في سوق المزايدات والصفقات السياسية على حساب ابنائها ومقدساتها وتأريخها.

لايمكن لأحد ان ينكر او يتجاهل حقيقة ما تحقق من انتصارات خلال العقود الثلاثة الماضية على الكيان الصهيوني، بفضل حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية وغيرهما، بعدما وجدت في أفكار وتوجهات الامام الخميني ودعم الجمهورية الاسلامية خير معين لها في مسيرة الصراع والمواجهة.

ولن يكون غريبا ولا مفاجئا حين نعرف ان واحدا من اكثر الأمور التي تسبب إزعاجا وقلقا للكيان الصهيوني والقوى الداعمة والمساندة له هو يوم القدس العالمي وما يشهده من مسيرات وتظاهرات وتجمعات جماهيرية مليونية لا تقتصر على البلدان العربية والإسلامية، بل تمتد الى مختلف زوايا العالم الغربي، وهذا بحد ذاته ابلغ وأوضح دليل على صحة وسلامة النهج والمسار والقرار الذي اتخذه الامام الراحل، وحافظ عليه من خلفه بصدق وامانة واخلاص.

المصدر: العهد -بغداد ـ عادل الجبوري

/انتهي/

الأكثر قراءة الأخبار {0}
عناوين مختارة