بين الإطاحة بيعلون و تعيين ليبرمان: نحو سياسةٍ اسرائيلية أكثر عنصرية

بین الإطاحة بیعلون و تعیین لیبرمان: نحو سیاسةٍ اسرائیلیة أکثر عنصریة

شكَّل إعلان وزير الحرب الإسرائيلي "موشي يعلون" استقالته، صدمةً في الداخل الإسرائيلي، ليس لما يتعلق بمسألة الإستقالة فحسب، بل لكيفية حصول ذلك. وهو الأمر الذي فضح المشكلة الجذرية داخل الكيان، والتي تتعلق بسعي "نتنياهو" لترسيخ بقائه في السلطة، ولو على حساب منظومة القيم التي اعتاد عليها العمل السياسي والأمني والعسكري الإسرائيلي.

قصة يعلون ونتنياهو
بالأمس، قدّم وزير الحرب الإسرائيلي "موشي يعلون"، استقالته من منصبه الوزاري ومن عضويته في الكنيست، معلناً أنه فقد الثقة برئيس الحكومة "بنيامين نتنياهو" الذي حاول الإطاحة به عن طريق عرض وزارة الحرب على زعيم ما يُسمى "البيت اليهودي"، أفيغدور ليبرمان. وفي بيانه أشار يعلون إلى انعدام الثقة بينه وبين رئيس الحكومة "نتنياهو"، خصوصاً في أعقاب التطورات الأخيرة المُتعلقة بالعمل الحكومي لا سيما موضوع الائتلاف. وكان قد أشار مراقبون بأن قرار نتنياهو الإطاحة بـ "يعلون" ليس مفاجأً، لكن الجميع تفاجأ بالأسلوب.

من جهته رحب "البيت اليهودي"، الشريك اليميني الأبرز في حكومة نتنياهو، باستقالة يعلون. معتبراً استقالة "يعلون" قراراً ضميرياً يُعيد الإحترام للسياسة الداخلية الإسرائيلية على حد تعبير مسؤوليه. وهو أمرٌ يساهم بنظرهم، في التخلص من نهجٍ معارضٍ لهم، في كيفية إدارة السياسة الأمنية والتعامل مع الجيش.

دلالاتٌ وتحليل
يمكن الوقوف عند التطورات الداخلية في الكيان الإسرائيلي، عبر إبراز ما يلي:

أفادت الصحف الإسرائيلية إلى أن "نتنياهو" كان اتصل بـ "يعلون" طالباً منه عدم التصرف وفق ما يُنشر في الإعلام والصحف فيما يخص وزارة الحرب، مؤكداً على أنه ليس هناك اتفاق بينه وبين ليبرمان بعد، لكن يبدو أن "يعلون" كان يعرف الى أين تتجه الأمور، الأمر الذي دفعه للإبكار بإستقالته بحسب مراقبين.

وهنا فإن الخلافات بين الرجلين ليست جديدة. بل هي جذرية تتعلق بأسلوب "نتنياهو" وطريقته في التعاطي وإدارة الملفات المتعلقة بالجيش تحديداً. حيث أشار يعلون في أحد تصريحاته السابقة الى أن الزعامة تعني العمل وفق بوصلة محددة، وليس وفق الأهواء، وهو ما يتصف به "نتنياهو". ومن المعروف أن الصدام الأخير بين "نتنياهو" و"يعلون" كان على منظومة القيم، التي ينبغي الإلتزام بها في الجيش الإسرائيلي. ففي البداية كان الخلاف على كيفية محاكمة جنود الإحتلال، وبعدها على تأييد يعلون لحق قادة الجيش في الإعراب عن رأيهم، وأخيراً كان الخلاف حول نائب رئيس الأركان، الجنرال يائير غولان الذي انتقد المظاهر النازية في المجتمع الإسرائيلي.

وعلى الرغم من أن "نتنياهو" و"يعلون" ظهرا في اجتماعٍ سوياً، مؤكدين أنهما سوَّيا الإشكالات بينهما، أشارت مصادر يعلون الى أن "نتنياهو" عرض في اليوم التالي وزارة الحرب على "أفيغدور ليبرمان". الأمر الذي دفع "يعلون" للإستقالة. وهنا فإن استقالة "يعلون" والتي احدثت ضجة كبيرة في الوسط السياسي الإسرائيلي، أحدثت أيضاً صدمة في المؤسسة العسكرية. وهو ما يعتقد خبراء في الشأن الصهيوني أنه سيفتح الباب أمام تغيير معطيات داخلية، قد تقود إلى خروج معسكرٍ مناهض لمحور (نتنياهو ـ ليبرمان) في وقت قريب.
وبدا واضحاً أن ما حصل شكَّل مفاجأة لهيئة الأركان العامة للجيش، حيث قوبل الأمر بحساسية بالغة في صفوف جنرالاته، وسط بروز امتعاض عام، إلى حد أن صحيفة "هآرتس" وصفت وزير الحرب الحالي، "موشيه يعلون"، بأنه طُعن في الظهر بحسب تعبيرها. وهنا خرجت تحليلات، تتحدث عن أن "نتنياهو" تصرف بهذه الطريقة، ليضمن بقاءه في الحكم، محاولاً اللجوء الى حلٍ يقع ما بين الإستراتيجي والتكتيكي.

وفيما يخص تبوُّء ليبرمان لهذا المنصب، فهو ما سيكون له انعكاسات كبيرة على الجيش الإسرائيلي، على صعيد التعيينات أو حتى على العقيدة العسكرية القائمة. خصوصاً أن "ليبرمان"، والذي يُعتبر من الزعماء الأكثر عنصرية وتطرفاً في الكيان الإسرائيلي، كان قد وجه انتقادات حادة إلى أداء "يعالون" خصوصاً خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة صيف 2014. الى جانب انتقاداته المعروفة، لسياسة هيئة الأركان العامة للجيش وتعاملها مع الإنتفاضة الفلسطينية، واصفاً إياها بالفاشلة. الأمر الذي يعني أن تغييراً سينتج في كيفية تعاطي وزارة الحرب. مما دفع المحلل العسكري في "هآرتس"، عاموس هرئيل للقول بأن استلام ليبرمان لهذا المنصب هو أمرٌ مماثل لترؤس دونالد ترامب للولايات المتحدة!

كما أن المراقبين يعتبرون نظرة ليبرمان إلى الفلسطينيين، من الأمور التي تدعو للقلق تجاه كيفية التعاطي مع الملف الفلسطيني. فقد طالب في آخر تصريحاته بإنزال عقوبة الإعدام ضد المتهمين بتنفيذ عمليات طعن، وعدم التردد في فتح النار في حال وجود عملية فدائية. كما وصف السلطة الفلسطينية، برئاسة محمود عباس، بأنها تخلف سياسي. الأمر الذي يُعتبر مناقضاً تماماً لسياسة يعلون فيما يخص الملف الفلسطيني، والذي اتبع عنصر الكبح، من خلال التنسيق الأمني مع رام الله. مما يعني توقع تغييرٍ في ردة الفعل الفلسطينية أيضاً، رسمياً وشعبياً.

إذن يعتبر البعض تعيين "ليبرمان" وزيراً للأمن بأنه خطأٌ فادح يرتكبه "نتنياهو". فمن الخطأ وضع أكثر جهازٍ حساسٍ في الكيان الإسرائيلي، بين يدي شخصٍ كليبرمان بحسب المراقبين الصهاينة. بالإضافة الى ذلك، فقد أظهر استطلاع للرأي نشرته معاريف، أن 64 في المئة من الجمهور الإسرائيلي يعتبر ما جرى مع يعلون إطاحة به. فيما انقسم الإسرائيليون بين تأييد بقاء يعلون في الليكود أو الخروج منه.

إن استقالة يعلون، خلقت صدمةً في الحلبة السياسية الإسرائيلية. كما أشار البعض الى أن نتنياهو أظهر للجمهور الإسرائيلي أنه ليس زعيم كل الشعب، بل الجزء الأكثر تطرفاً منه. بينما يجري الحديث اليوم عن المستوى الذي وصل له حال السياسة في الكيان الإسرائيلي، خصوصاً فيما يتعلق بمنظومة القيم التي على أساسها يجب التعيين أو التسريح، لنصل الى نتيجةٍ مفادها أن مسألة الإطاحة بيعلون وتعيين "ليبرمان"، ليست سوى مقدمةٍ لسياسةٍ إسرائيلية أكثر عنصرية.

المصدر : الوقت

/انتهى/

الأكثر قراءة الأخبار {0}
عناوين مختارة