القاهرة تدير ظهرها للرياض وتتجه الى طهران

القاهرة تدیر ظهرها للریاض وتتجه الى طهران

امتعض وزير الخارجية السعودي عادل الجبير من لقاء وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف مع نظيره المصري سامح شكري على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة بنيويورك، الى درجة ان السعوديين ابلغوا احتجاجهم في اتصال هاتفي للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي حسبما صرح دبلوماسي مصري رفيع المستوى لوكالة سبوتنيك الروسية.

من الواضح ان السعوديين غضبوا من هذا اللقاء وعبّروا عن احتجاجهم للمصريين لكن بالنظر الى عدم لقاء السيسي بمحمد بن نايف ولي العهد السعودي وحتى عدم لقاء الجبير بشكري، ينبغي القول ان احتجاجهم هو اعمق من لقاء وزيري خارجية ايران ومصر ومرتبط بالاستقلال العملي الذي عبّر عنه المصريون في وجه السعودية.

النقطة الهامة والمثيرة للانتباه في هذا الاستقلال العملي هي فيما يتعلق بالملف السوري، حيث اوضح السيسي في الجمعية العامة موقفا مغايرا للموقف السعودي التدخلي الذي يدعو الى الحرب في سوريا، واكد السيسي في كلمته على انهاء العمليات العسكرية والتوصل الى حل سياسي ووحدة الاراضي السورية والحفاظ على مؤسسات الدولة.

واشار عضو المجلس المصري للشئون الخارجية رخا احمد حسن في مقابلة مع قناة "اون تي في" الى محور ايران-روسيا المواجه لمحور امريكا-السعودية، مؤكدا ان موقف السيسي قريب الى موقف محور ايران-روسيا اكثر منه الى المحور المقابل.

وعبّر السيسي وفريقه المرافق له في منظمة الامم المتحدة عن هذا التقارب بشكل واضح، حيث رفع من صوت السعودية الغاضب، وبعيدا عن تصريحات السيسي في الجمعية العامة للامم المتحدة وامام حشد من رؤساء تحرير الصحف المصرية المشهورة، حول وجود اختلاف في وجهات النظر بين القاهرة والرياض حول سوريا وضرورة تغيير النظام الحاكم فيها، اعلن بصراحة عن مخالفته للاطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد.

ينبغي الانتباه الى ان هذا الموقف المصري ليس جديدا حيال سوريا، حيث غيّر السيسي منذ وصوله الى الحكم، سياسة مصر حول هذا الامر لكن لا هو ولا اي من المسؤولين المصريين الكبار كان قد صرح بهذا الشكل في وجه السعوديين.

والنقطة الاخرة لهذا الاستقلال هي عدم تبعية مصر للسعوديين في مناهضة ايران التي طرحت منذ مدة وكان السعوديون يتوقعون تحرك المصريين في هذا المسار، حيث ان السعوديين يطرقون كل الابواب في هذا المسير لكي تسير عملية مناهضتهم لايران بنحو كبير، بدءا من شكوى السعودية في مجلس الامن الى تشجيع حكومتهم الربيبة في اليمن للسير في هذا الطريق او تحريض الامارات على اعلان موقف معادي لايران ودفع الاموال الى دول صغيرة كجيبوتي لتقطع علاقاتها مع ايران.

وفي المقابل، لم يكن المصريون مستعدين من خلال كبريائهم واستقلال عملهم السير ولو خطوة واحدة في مسير السعودية وتحقيق توقعاتها رغم المساعدات السعودية لمصر التي بلغت27 مليار دولار، بل ارسل المصريون وفدا الى "غروزني" للمشاركة بمؤتمر تحت عنوان" من هم اهل السنة والجماعة ؟" معلنين ان الوهابية خارجة عن دائرة اهل السنة وهي فرقة تشكل خطرا على العالم الاسلامي.

وينصاع المصريون في الوقت الراهن الى ظروف صندوق النقد الدولي الصعبة لاقتراض 13 مليار دولار لكنهم لن يتوجهوا الى السعوديين لاخذ المساعدة منهم ثانية، ومن الواضح ان السعوديين مستعدون مرة اخرى لمساعدة المصريين حتى في ظروف اسهل بكثير من ظروف صندوق النقد الدولي لكن المصريون يدركون جيدا ان السعوديين لديهم اطماعا مقابل هذه المساعدة، هذه الاطماع التي توجه صفعة لاستقلال مصر على الصعيد الاقليمي، لذلك اقبلوا على صندوق النقد الدولي.

كما ان عبدالباري عطوان اشار في افتتاحية جريدة رأي اليوم السبت 24 سبتمبر الى ان "شهر العسل السعودي المصري لم يدم أكثر من ثلاثة أشهر على الاكثر"، حيث كتب عطوان،" من تابع الاستقبال الحافل الذي حظي به العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، اثناء زيارته الرسمية الى القاهرة في ابريل (نيسان) الماضي، والآمال العريضة التي بنيت عليها سياسيا واقتصاديا وعسكريا، يخرج بانطباع بأن البلدين دخلا في تحالف استراتيجي إقليمي صلب، يمكن ان يستمر لعقود او سنوات على الأقل، ولكن الطموحات والتمنيات شيء، والواقع شيء آخر".

"بعد خمسة أشهر من هذه الزيارة التي وصفها الاعلامان السعودي والمصري بأنها "تاريخية"، بدأت الهوة في العلاقات بين البلدين تتسع، وبدأت الوعود والاتفاقات المالية والسياسية "تتبخر"، فمشروع جسر الملك سلمان فوق خليج العقبة، والمنطقة التجارية الحرة التي ستقام في الجانب المصري منه في سيناء لم يعد يذكر، وربما جرى دفنه، وعدم تصديق البرلمان المصري على إعادة جزيرتي "صنافير" و"تيران" في فم الخليج المذكور الى السيادة السعودية لم يتم حتى الآن، رغم تصديق مجلس الوزراء السعودي الفوري عليه، والانكى من ذلك ان محكمة مصرية طعنت في هذا الاتفاق، وأكدت على بطلانه مرتين، والثالثة في الطريق".

"الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي حظي بإطراء خاص على السنة المسؤولين السعوديين واعلامهم، باعتباره المنقذ لمصر، لم يعد كذلك هذه الأيام، بل بات موضع انتقادات كثيرة مباشرة، او غير مباشرة، وصل بعضها الى الشتم بكلمات نابي".

والان وبعد ان انتقلت هذه الانتقادات من المستوى الاعلامي الى المستوى السياسي، اجبر السعوديين على اجراء اتصال هاتفي مع السيسي لكن على مايبدو ان المصريين عقدوا عزمهم على استعادة مكانتهم السابقة في العالم العربي لكي يفصلوا طريقهم عن السعوديين، ومن المتوقع بعد ذلك ان يقوم السعوديون بانتقاد وشتم المصريين.

المصدر: جريدة جوان الايرانية

/انتهى/

أهم الأخبار حوارات و المقالات
عناوين مختارة