انهيار الخط الأحمر السعودي في لبنان .. عون على كرسي الرئاسة وعين الحريري على الحكومة


انهیار الخط الأحمر السعودی فی لبنان .. عون على کرسی الرئاسة وعین الحریری على الحکومة

اختار مجلس النواب اللبناني العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية يوم الاثنين بعد فراغ أصاب سدة الرئاسة، منذ نهاية ابريل عام 2014، حيث فشل اللبنانيون في العديد من الجلسات التي عقدها مجلس النواب اللبناني في إنتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للرئيس السابق ميشال سليمان الذي انهى ولايته في مايو عام 2014، ليدخل لبنان منذ اكثر من سنتين فراغا رئاسيا حتى يومنا هذا، فما كانت اسباب هذا الشغور؟

لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، ويضمن الدستور اللبناني حرية إبداء الرأي قولاً وكتابة، وحرية الطباعة، وحرية الاجتماع، وحرية تأليف الجمعيات، كلها مكفولة ضمن دائرة القانون، كما جاء في مقدمة الدستور.

كما يتميز الشعب اللبناني بأنه نسيج من 18 طائفة يجمعها العيش المشترك وترعاها القوانين والأنظمة والسلطات.

تقسم الجمهورية اللبنانية إلى ستّ محافظات إدارية هي: بيروت، وجبل لبنان، وشمال لبنان، والبقاع، وجنوب لبنان، والنبطية. وهناك استحداث جديد لمحافظة عكار في الشمال، وبعلبك الهرمل في البقاع.

وفيما يخص السلطات في البلاد هناك السلطة التشريعية التي يتولاها البرلمان اللبناني وهو مؤلف من 128 نائباً، يتم انتخابهم مباشرة من الشعب كل اربع سنوات بالاقتراع السري وهم بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين. وينتخب النواب رئيساً للمجلس من بينهم للمدة نفسها، وكذلك نائباً له، وهيئة مكتب، ولجان متخصصة تدرس المشاريع وترفعها إلى الهيئة العامة للبت بها.

والسلطة التنفيذية يتولاها رئيس الجمهورية الذي هو رئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وتتمثل السلطة التنفيذية بالحكومة مجتمعة والتي يرأسها رئيس الجمهورية متى يشاء باعتباره رئس السلطات وحامي الدستور. وينتخب رئيس الجمهورية من قبل مجلس النواب لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد، ويقوم بتعيين رئيس للحكومة بناء على استشارات نيابية ملزمة، ويقوم رئيسا الجمهورية والوزراء بتسمية الوزراء ليصدر بعدها رئيس الجمهورية مراسيم تشكيل الحكومة.

والسلطة القضائية، القضاء في لبنان سلطة مستقلة، ولديه مجلس أعلى وهو على ثلاث مستويات من المحاكم: الابتدائية والاستئناف والتمييز. أما المجلس الدستوري فيصدر الأحكام المتعلقة بتفسير الدستور والبت بطعون الانتخابات. كما يوجد محاكم دينية تفصل بالأحوال الشخصية لكل طائفة في قضايا الميراث والزواج والطلاق.

وبعد عرض هذه النبذة لطبيعة النظام اللبناني، نبدأ بمعرفة اسباب الشغور الرئاسي حتى موعد الاعلان عن رئيس الجمهورية، فابرزها هو حرص الدول الكبرى لاسيما أميركا وأوروبا على استمرار الجمود القائم في لبنان وعدم تغييره وانشغال الكبار وتحديدا أميركا وروسيا في أمورهما التي تشكل الأوضاع في المنطقة بدءا من سوريا وصولا إلى اليمن والعراق واعتبارهم الوضع اللبناني  تفرعا من هذا الملف الكبير.

كما ان عجز اللبنانيين عن الاجتماع لاختيار عون او فرنجية اللذان ليس لديهما القدرة على تقديم جديد مؤثر في دفع الاستحقاق، ومن ثم الكتل النيابية للخروج من خلف الخطوط والمواقف التي تتمترس وراءها لإعادة خلط الأوراق وتوفير النصاب لجلسة انتخاب الرئيس.

والاهم هو إصرار حزب الله على ترشيح عون، حزب الله الذي لم يتراجع عن دعمه لعون كمرشح لرئاسة الجمهورية، حيث اكد امينه العام السيد حسن نصر الله، على التزام اخلاقي وتحالف سياسي وراء تأييده، وهو مستمر في موقفه هذا، الا اذا قرر عون سحب ترشيحه.

وذلك الدعم لان عون، صلب في مواقفه، وامتحن في حرب تموز التي شنها العدو الاسرائيلي صيف 2006 على لبنان والمقاومة، وصمد مع المقاومة، رغم التهديدات الاميركية التي تلقاها، ومنها ان الطائرات الاسرائيلية ستستهدف منزله، لكنه التزم بالموقف الوطني مع المقاومة، والاهم من ذلك هو ان الحزب وفيّ لحلفائه، وليس فقط العماد عون، بل ايضاً النائب سليمان فرنجية، وشخصيات وطنية اخرى من كل الطوائف، اضافة الى احزاب وطنية وقومية، وغالبية الشعب اللبناني.

حزب الله ينظر الى رئاسة الجمهورية من زاوية تأمين ظهر المقاومة وامنها وسلامتها ووجودها، وهو دعم العماد عون للوصول اليها، لانه لا يبيعها، كما فعل غيره عند اول تحول دولي واقليمي، لتغيير معادلة «الجيش والشعب والمقاومة»، وهذا ما حصل مع الرئيس ميشال سليمان.

تقول المصادر التي تكشف عن ان «الفيتو» على العماد عون، وتحديداً من السعودية، ومن يؤيد سياستها في لبنان، لانه مع المقاومة، التي استطاعت ان تؤمن التوازن العسكري الردعي مع العدو الاسرائيلي، وهذا ربما تحذير للبنان، ان يصبح في محور ايران - سوريا، لذلك كان مرفوضا ان ياتي عون الى رئاسة الجمهورية.

ويرى محللون ان حاجة السعودية الى فصل مسار لبنان عن مسارات المنطقة نتيجة تراجعها الميداني من اليمن إلى سوريا والعراق دفعها لتكليف فرنسا بإدارة المفاوضات المرتبطة بملف الرئاسة في لبنان، وهو ما بدأته باريس قبل شهر بدعم فاتيكاني.

ويرى البعض أن الأمر ما هو إلا نتيجة تسوية إقليمية دون أن يعني ذلك رغبة الرياض بفصل المسار اللبناني عن مسار المنطقة، بل إن ما يحصل هو جزء من مشهد المنطقة بحيث دخلنا الى مرحلة حصر الإرث والنفوذ الاقليمي ، وما يجري في الشمال السوري والشمال العراقي من تفاهم تركي إيراني روسي أميركي ليست السعودية جزءاً منه، وبالتالي جاء من قال لسعد الحريري إبدأوا بالحد من خسائركم انطلاقاً من لبنان، وان حركة الحريري السياسية ترافقت مع الحديث عن وقف إطلاق النار في اليمن وتحريك ملف البحرين أيضاً.

تشي الأجواء في الرياض أنّ السعودية غير مرتاحة، وربما تكون مستاءة من خطوة سعد الحريري تأييد ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية في لبنان. ولكن المملكة لن تعارض عملية انتخابه رئيساً، ولذلك، ثمّة وجهة نظر لدى  الرياض تقول بترك الحريري "يُقلّع شوكه بيديه" وعدم التدخّل في الموضوع اللبناني في انتظار ما ستسفر عنه التطوّرات اللاحقة.

ولكن هذا لا يعني أنّ الرياض غير قلقة وغير مطمئنة على مستقبل لبنان من التحالف بين الرئيس اللبناني المفترض ميشال عون و حزب الله.

ما يزيد قلقها هو تسلّم الحريري لرئاسة الحكومة وفق شروط يفرضها حزب الله وحليفه الرئيس نبيه بري الذي سيستخدم عصا المعارضة بوجه الحريري عبر فرض الثلث المعطل في الحكومة، ما يحوّله إلى رئيس حكومة ضعيف.

كما  ان باريس هي التي سعت الى تشجيع السعودية على القبول بمسعى الحريري لحلّ مسألة الفراغ بالقبول بترشيح عون، غير أن الرياض لم تعلن تأييدها لمبادرة الحريري ولم تعلن معارضتها لها «وإن كانت غير راضية.. لا بل قلقة بشأن مستقبلها».

اما عن الموقف الايراني فقد اكد مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية والافريقية في الخارجية الايرانية حسين جابري انصاري ، على سياسة ايران المبدئية في دعم استقرار لبنان ، مشددا على اهمية توصل الاطراف اللبنانية الى اتفاق لتسوية المشاكل وخاصة قضية انتخاب رئيس جديد للبلاد.

واكد مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية والافريقية على السياسة المبدئية للجمهورية الاسلامية الايرانية في دعم استقرار لبنان ، مؤكدا على اهمية دور التوافق الداخلي لاطراف اللبنانية في حل القضايا وخاصة قضية انتخاب رئيس جديد للبلاد ، وشدد على ضرورة دعم اللاعبين الخارجيين المؤثرين على الساحة اللبنانية لعملية التوافق الداخلي.

وموقف الحريري الذي أعلن عن تأييده ترشيح العماد ميشال عون، لرئاسة البلاد وسد الفراغ الرئاسي الذي يعاني منه لبنان، مؤكدا أن قبوله بذلك هو "تسوية سياسية" خوفا على لبنان واللبنانيين. 

وقال الحريري: "هذا قرار نابع من ضرورة حماية لبنان وحماية النظام وحماية الدولة وحماية الناس، لكنّه مرة جديدة قرار يستند إلى اتفاق بأن نحافظ معا على النظام ونقوّي الدولة ونعيد إطلاق الاقتصاد ونحيد أنفسنا عن الأزمة السورية".

استعجال الحريري لانتخاب العماد ميشال عون كان ناتجا عن عمق المأزق السياسي الخاص بتيار المستقبل كما يعكس خشية المحور الأميركي السعودي من مفاجآت مقبلة في الميدان السوري وبالذات احتمال الحسم في حلب وتحرك دومينو انهيارات متلاحقة لحلف العدوان على سورية مع هزيمة ادواته هناك من جماعات التكفير الإرهابية وفي ظل النزعة الدفاعية الروسية الفاعلة لصد العدوانية الأميركية انطلاقا من سورية والمنطقة العربية عموما وهو ما سوف ينعكس على التوازنات اللبنانية القلقة التي تتحكم بتشكيل الحكومة وبقانون الانتخاب.

/انتهى/

الأكثر قراءة الأخبار الدولي
أهم الأخبار الدولي
عناوين مختارة