الأزمة اليمنية - أزمة بين أزمات.. و السعودية بعد الفشل ارتباك

الأزمة الیمنیة - أزمة بین أزمات.. و السعودیة بعد الفشل ارتباک

خاص / تسنيم - انّ مخططات آل سعود في اليمن في جميع سيناريوهات الحرب وتطوراتها المستقبلية هي خاسرة وفاشلة. والحقيقة أنّ السعودية غير مخيرةٍ في خياراتها نظراً للمأزق التاريخيّ الذي تعيشه في اليمن من فشلٍ عسكريٍّ وعدم قدرةٍ على الحسم لا عسكرياً ولا سياسياً.

شكل مجيء إدارة الرئيس ترامب انتعاشاً للدور السعودي المتهالك في المنطقة بفعل عاملين, الأول هو الفشل العسكري في اليمن وسورية, والثاني هو إدارة الرئيس السابق باراك أوباما التي أدخلت هذا الدور إن لم نقل المملكة برمتها في غرفة الإنعاش المركزة بدءاً من اتفاق (14/7/2015) النووي مع ايران, وصولاً إلى قانون "جاستا" الذي يدين الدور السعودي في دعم الإرهاب, و وصولاً إلى الجملة التوافقات مع روسيا حول الأزمة السورية التي شكلت قاعدةً لا يمكن تجاوزها في أيّ تسويةٍ في سورية تشكّل في مجملها انكساراً للأهداف السعودية هناك, هذا الانتعاش, هو انتعاشٌ مشروط ومرتبط بطبيعة النتائج التي يمكن الوصول إليها أميركياً بالتعاون مع السعودية في المنطقة, فالسيد ترامب على المستوى الشخصيّ وبكثير من تصريحاته عبّر عن كراهيته النموذج الوهابيّ في الحكم السعودي, ولكن في السياسة المصالح لها الأولوية, والحقيقة أنّ السعودية غير مخيرةٍ في خياراتها نظراً للمأزق التاريخيّ الذي تعيشه في اليمن من فشلٍ عسكريٍّ وعدم قدرةٍ على الحسم لا عسكرياً ولا سياسياً, والتطور اليمني الاستراتيجيّ في التصديّ للعدوان السعوديّ عبر إدخال منظومة صواريخ بالستية ضد مرابض العدوان في العمق السعوديّ, التي تدرك مأزقها في اليمن وتدرك أيضاً أنّ متغيرات الأزمة السورية ونزول الأصلاء إلى المعركة بعيداً عن الوكلاء الإرهابين التي أدارتهم المخابرات السعودية على طيلة ست سنوات من الحرب على سورية, الأمر الذي أفقد السعودية أهميتها في مجريات الحدث السوري, ولم يعد لها سوى المماطلة والعرقلة السياسية عبر وفدها إلى جنيف باسم المعارضات السورية, ومن جهةٍ أخرى فطبيعة الصراع الأميركيّ الروسيّ على شرق المتوسط, والتفاهمات الإيرانية التركية في سياق "أستانة" السوري أخرج السعودية من صياغة معادلة الأمن الإقليمي, لصالح تركيا بديلاً عن السعودية(كقوةٍ سنية), الأمر الذي عمّق الأزمات السعودية المتلاحقة. 

وفي إطار البحث عن مخرجٍ للمأزق السعوديّ خصوصاً في اليمن, تلاقحت هذه الرغبة مع المخطط الأميركي الجديد في المنطقة, والذي يتمحور على حول ثلاثة أهدافٍ استراتيجية, نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بإسرائيل "دولة يهودية", والهدف الثاني هو تحقيق الفصل الجغرافي للفضاء الحيويّ بين طهران وبيروت ومنع التمدد الأوراسي براً وبحراً إلى المتوسط, والثالث تقويض القدرات الإيرانية في مواجهة الكيان الصهيوني, ضمن رؤيه تقويضية لكلّ مسارات الحل للملفات الأزموية  في المنطقة بدءاً من تقويض سياق "أستانة" وجنيف في سورية تزامناً مع تقويض حل الدولتين في فلسطين المحتلة وصولاً إلى تقويض الأمن الداخلي الإيراني عبر أذرع وهابيةٍ سعوديةٍ قاعديةٍ ضمن مخطط أميركي سابق(التخريب الداخلي في إيران منذ العام 2008) الذي تديره المخابرات المركزية الأميركية,  ونجد هنا أنّ السعودية هي حاجة وبتعبيرٍ أدقٍ هيّ أداةٌ أميركية فعالة في المخطط الجديد فنقل السفارة والاعتراف بـ"يهودية إسرائيل" تحتاج غطاءً عربياً إسلامياً من الممكن أن توفره السعودية, و فصل الفضاء الحيوي بين طهران وبيروت تعمل السعودية على تحقيقه عبر مشروع أقلمة العراق وتغطية مشروع فدرلة سوريا ولبنان, الأمر الذي يعني أنّ بادية دمشق والعراق بحكم التداخلات العشائرية مع السعودية والتمويل السعودي لهؤلاء يمكن أن يضعهم تحت العباءة الأميركية, أمّا الهدف الثالث المتعلق بإيران فتوفره السعودية عبر مسارين استنزاف إيران في صراعٍ ممتدٍ مع الخليج تحت عباءة الطائفية .., من هنا نفهم زيارة محمد بن سلمان الغارق في حرب اليمن إلى واشنطن, فبمقابل موافقته على المخطط الأميركي الجديد وبتمويل منه بمقدار 200 مليار دولار لمخططات الأميركية في الشرق الأوسط, يحاول الحصول على أمرين: الأمر الأول هو انخراطٌ أميركيٌّ في الحرب اليمنية وتزويده بمزيد من الأسلحة الفتاكة والمعروفة بصفقة الأسلحة "الذكية", والثاني قبول واشنطن به ملكاً على السعودية, وحقيقة الأمر أنّ واشنطن لم توافق على المطالب السعودية لحين وفاء الأخيرة في التزاماتها الثلاثة, ولكن في مقابل تعهد الرياض لواشنطن بتمرير نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة صدرت من واشنطن إشارات تشجع بن سلمان على غرقه وتخبطه بدءاً من تبني ترامب لفكرة "مناطق أمنة" في اليمن و الإنزالات الأميركية العدوانية على اليمن, والإشراف الأممي على ميناء حديده, وهنا نسأل التساؤلين المهمين, هل بمقدور السعودية الإيفاء بتعهداتها لواشنطن؟ وماذا في جعبة واشنطن بعد الفشل السعودي المتوقع؟

بالنسبة إلى التساؤل الأول لا نغفل أهمية التآمر السعودي وقدرته على ابتزاز الأردن ومصر والقيادات الفلسطينية المتآمرة في تحقيق بعض التنازلات لصالح صديقتها "إسرائيل", ولكن أثبت الشعب الفلسطيني أنّه شعبٌ حيّ وأن الانتفاضة الثالثة قادمةٌ رغم التآمر العربي الفلسطيني الرسمي عليها, وقد تكون خطوة نقل السفارة شرارتها, وفي الموضوع العراقي مشروع أقلمة العراق يجري التحضير له في الغرف الخليجية وبرعاية أميركية إلّا أن احتمالات الفشل مازالت أقوى من احتمالات النجاح وهنا أيضاً علينا ألّا نقلل من خطورة المخطط السعودي القطري على وحدة العراق وشعب العراق, أمّا في الشق السوري فالأزمة بلغت مستويات من التعقيد والتشابك  أفقدت السعودية فاعليتها هناك باستثناء دعم الخيارات الأميركية عبر مسارين الأول هو نموذجٌ يحاكي "درع الفرات" التركي ولكن في الجنوب ومن البوابة الأردنية وهو سيكون محور بحث القمة العربية القادمة في عمان29/3/2017), والثاني عبر دعم ميليشيات الإرهاب المتحالفة مع النصرة وحتى مع داعش "نموذج جند الأقصى سابقاً", وفي مقابل هذا الدور التخريبي من الممكن وليس من المؤكد أن تتبنى واشنطن خيارات أداتها السعودية في اليمن, فأيضاً الولايات المتحدة حساباتها مرتبكة ومعقدة في مواجهة إيران التي حزمت أمرها في مواجه المشروع الأميركي في المنطقة بذات الأدوات ومستوى الصراع وهنا الحنكة الإيرانية في التعامل مع الولايات المتحدة فطالما أنّ السعودية هي أداة في الصراع الأميركي الإيراني فالرد يكون مباشرة عبر دعم لحركات المقاومة العربية (اللبنانية والفلسطينية) والدعم اللامحدود سياسياً واستشارياً لسورية والعراق في مواجهة الإرهاب, في مقابل التحضير لمستويات أعلى من الصراع مع الولايات المتحدة إن ما قررت الولايات الدخول برياً في سورية أو العراق من دون التنسيق مع حكومتيهما, ومن هذه الخيارات إمكانية التواجد في شرق المتوسط, الأمر الذي يعني في المحصلة أنّ التسويات المقبلة تُرسم عبر مستويين الأول بين الولايات المتحدة وروسيا والثاني إقليميّ بين إيران وتركيا أمّا السعودية فدورها إقليمياً تابعٌ للتفاهمات الأميركية الروسية, وليس كما حال تركيا التي تتمتع بهامش مناورة مع الولايات المتحدة أكبر وأكثر استقلاليةً من السعودية المكبّلة بحرب اليمن الخاسرة والصراع اللا مبرر مع إيران الفاقد الأهمية التاريخية والسياسية, إذاً  كنتيجة من المتوقع فشل السعودية في تعهداتها لواشنطن, الأمر الذي سيطرح التساؤل الثاني وهو ماذا في جعبة واشنطن بعد الفشل السعودي المتوقع ؟

نحن نعلم سلفاً أنّ السعودية تعهدت بتكلفة المخطط الأميركي كاملاً, وهو ما سيستمر طويلاً إلى حين استنزاف الثروة المالية والنفطية السعودية كاملةً كشرطٍ لاستمرار آل سعود في الحكم, أمّا موضوع اليمن فهو رهنٌ بالصراع والتسويات كنتيجةٍ بين الولايات المتحدة وايران, وليس رهناً برغبات السعودية وأهوائها, وبالتالي الهاجس اليمني سيستمر في قض مضاجع آل سعود وبقية أمراء الخليج لأنّ الأميركي من غير المتوقع أن يتورط في حرب اليمن طالما أنه عالق في العراق و سورية, سيما أنّ الأزمة السورية مفتوحةٌ على كثيرٍ من الخيارات التي تتطلب حذراً أميركياً, وحتى الفشل الأميركي في سورية لن يقود أيّ إدارة أميركية إلى تعويض خسارتها في اليمن لأن التجارب الأميركية في أفغانستان والعراق ومن المتوقع في سورية ستدفع إلى الابتعاد عن اليمن الذي استعصى على مشاريع كبرى الإمبراطوريات كالبريطانية والعثمانية..الأمر الذي يعني شيئاً واحداً أنّ مخططات آل سعود في اليمن في جميع سيناريوهات الحرب وتطوراتها المستقبلية هي خاسرة وفاشلة.

سومر صالح- عضو المركز الدولي للدراسات الأمنية والجيوسياسية

كاتب وباحث في الدراسات السياسية    

/انتهي/

أهم الأخبار حوارات و المقالات
عناوين مختارة