سنجل تودع الشهيد وائل غفري: واجه المستوطنين بصدره العاري ودفع حياته ثمناً للدفاع عن أرضه
في مشهد يلخّص حجم الإجرام اليومي الذي تتعرض له القرى الفلسطينية، ودّعت بلدة سنجل شمال رام الله، يوم الإثنين، الشهيد وائل باسم غفري (48 عامًا)، الذي ارتقى مساء الأحد بعد تعرضه لاعتداء مباشر من قبل مجموعة من المستوطنين أثناء محاولته التصدي لهم والدفاع عن أرضه.
كان الشهيد وائل يُعرف بين أهالي البلدة بعشقه للأرض، إذ لم يكن يتأخر يومًا عن التواجد في الأراضي المهددة بالاستيطان. كلما سمع أن المستوطنين يقتربون من أراضي سنجل، كان أول من يصل إلى المكان، يبكي غضبًا ويقف في وجههم بلا تردد. "كان يحب الأرض كثير، كل ما يعرف إنه فيه قطاع من المستوطنين جايين على البلد، يكون أول واحد يبكي، وأول الناس اللي تروح"، قال أحد أقربائه بحرقة.
استُشهد وائل بعد أن حاصرته مجموعة من المستوطنين واعتدت عليه بينما كان يراقب أرضه القريبة من مستوطنة مقامة على أراضي سنجل. ومع تصاعد اعتداءاتهم في الأسابيع الماضية، كان الشهيد يشعر أنه مستهدف، لا سيما بعد تلقيه تهديدات مباشرة من أحد المستوطنين عبر صفحته على "فيسبوك"، حيث كتب له: "يا وائل، أنت قرّبت كثير على المستوطنات"، في إشارة واضحة إلى تهديد مبطن.
لكن وائل لم يتراجع، بل رأى في ما يجري واجبًا وطنيًا ودينيًا وأخلاقيًا يتطلب التصدي، ولو بصدره العاري، لتلك المحاولات اليومية لسرقة الأرض وتهجير أهلها.
شيّع أهالي سنجل جثمان الشهيد وائل غفري وسط حالة من الغضب والحزن. نُقل النعش الملفوف بالعلم الفلسطيني على الأكتاف، يتقدمه أبناؤه وأبناء البلدة، فيما تعالت الهتافات المنددة بجرائم المستوطنين وجيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي وفّر الحماية للمعتدين، كما يحدث في معظم اعتداءات الضفة الغربية.
"كنا موجودين بالأرض، وكان الشهيد معنا، لدرجة إنه صار مستهدف من زمان"، يقول أحد أصدقائه، مضيفًا أن اعتداءات المستوطنين على المنطقة ليست جديدة، بل تصاعدت في السنوات الأخيرة، وخاصة منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر 2023.
وخلال أقل من عامين، أقام المستعمرون الإسرائيليون 60 بؤرة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، منها 51 بؤرة خلال عام 2024 فقط، في سياسة تهدف إلى فرض واقع استيطاني جديد بالقوة. هذه السياسة أدت إلى تهجير ما لا يقل عن 29 تجمعًا فلسطينيًا بشكل قسري، بينما تستمر الاعتداءات اليومية على البلدات مثل سنجل، التي تحاصرها البؤر الاستيطانية من عدة جهات.
قوات الاحتلال، كعادتها، لم تُدن الهجوم، بل منعت أهالي البلدة من الوصول إلى بيت الشهيد، الذي تعرض للحرق من قبل المستوطنين. وحين حاول الشبان إخماد النيران والاقتراب من المنزل، هاجمتهم القوات واعتدت عليهم.
تواجه بلدة سنجل، كما قرى محافظة رام الله الأخرى، اعتداءات متواصلة من المستوطنين، الذين يسعون لفرض وجودهم من خلال نصب الكرفانات، وإقامة بؤر عشوائية، وتنفيذ هجمات ليلية تستهدف المنازل والمزارع، بهدف دفع الفلسطينيين إلى الهجرة القسرية.
ومن بين هذه النار، ارتقى الشهيد وائل غفري، الذي لم يحمل سلاحًا، بل واجه المعتدين بروحه وقلبه، وقدم حياته ثمنًا لموقفه الشجاع. هو ليس حالة فردية، بل مثال لصورة متكررة من الصمود الفلسطيني في وجه الاحتلال والمستوطنين.
من هنا، من بلدة سنجل، كتب وائل صفحة جديدة في سجل الشهداء الذين يدافعون عن كرامة الأرض والإنسان، متحديًا الاحتلال بكل قسوته، ورافعًا راية الصمود في وجه آلة القمع الإسرائيلية التي لا تعرف الرحمة.
/انتهى/