"أشبه بسجن".. عائلة فلسطينية في بلدة المغير تواجه العنف الاستيطاني تحت حماية الاحتلال
بينما تغيب الشمس خلف تلال بلدة المغير الواقعة شرق مدينة رام الله، يبدأ فصل آخر من الخوف المعتاد في حياة عائلة أبو علي، التي تعيش منذ سنوات داخل منزل تحوّل إلى ما يشبه القلعة المحاصرة. خمسة وعشرون فردًا من العائلة، بين أطفال ونساء وكبار سن، باتوا يتقاسمون مساحة لا تقيهم خطرًا بقدر ما تعمّق فيهم الإحساس بالعزلة.
وكالة تسنيم الدولية للأنباء - في السنوات الخمس الأخيرة، تعرّض المنزل ذاته لثلاث هجمات بالحرق من قبل مستوطنين إسرائيليين. وعلى عتبته استُشهد شابان من العائلة، أحدهما ديّاد أبو علي، الذي أصيب برصاصة مباشرة خلال هجوم عنيف شنّه مستوطنون مدججون بالسلاح وتحت حماية جيش الاحتلال. “كان الهجوم كثيفًا جدًا، الرصاص يُطلق بلا توقف، كأنها حرب”، يقول أحد أفراد العائلة بنبرة ممزوجة بالغضب والانكسار.
ويضيف: “بدأنا نحاول الدفاع عن أنفسنا، ولم نملك أي وسيلة لذلك، فقط نحاول البقاء. المستوطنون يهاجمون بالحجارة أحيانًا، وبالسلاح في أحيان كثيرة، والجيش يفرض الإغلاق على البلدة بدل أن يحمينا. أي شخص يخرج من المنزل يصبح هدفًا مباشرًا للرصاص”.
حصار من الداخل
خوفًا على حياتهم، بنى أفراد العائلة جدارًا إسمنتيًا بارتفاع ثلاثة أمتار، وأحاطوه بأسلاك شائكة موصولة بالكهرباء. لم يكن الجدار جدار فصل، بل جدار حماية أخير، يفصلهم عن مستوطنين مسلحين وعن جيش يقف حارسًا للاعتداءات. “وضعنا هذا الحاجز لنحمي أطفالنا ونساءنا عندما نخرج إلى العمل، ليس لنتحدى أحدًا”، يقول والد العائلة المسن. ويضيف: “هذا السور لا يمنع الرعب، لكنه يحاصر حياتنا. البيت صار أشبه بسجن… نمشي ونخرج، لكن لا نشعر بالحرية. نراقب كل حركة. نخطط لكل خطوة. المستوطنون يمكن أن يهجموا في أي لحظة”.
المنطقة التي تقع فيها البلدة محاطة بمواقع عسكرية إسرائيلية، وبؤر استيطانية توسعية تُعرف بشراستها في الهجمات الليلية. ومع كل اعتداء، يُفرض إغلاق عسكري فوري، يُمنع فيه أهالي القرية من الوصول لإنقاذ الجرحى أو دعم العائلة المحاصرة. “دفعنا ثمن خوفنا من تكرار الجريمة”، يقول أحدهم، مشيرًا إلى أن المستوطنين لا يحتاجون إلى ذريعة للهجوم: “يأتون ليكسروا البيوت، يحرقوا السيارات، يضربوا الأطفال، فقط لأننا موجودون”.
عنف ممنهج برعاية رسمية
لا تعدّ المغير استثناءً في مشهد تصاعد العنف الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة. بل هي مثال متكرر على سياسة التغاضي الرسمية التي تنتهجها حكومة الاحتلال تجاه ممارسات المستوطنين، إن لم تكن داعمة ومشجعة لها. فوفق بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، شهدت مناطق الضفة خلال العامين الماضيين زيادة ملحوظة في اعتداءات المستوطنين على السكان الفلسطينيين، بلغ بعضها حد الطرد القسري من القرى النائية مثل عين سامية والمكحول.
وبينما يواجه الفلسطينيون هذا العنف بحجارة وصمود مدني، تحمي قوات الاحتلال المعتدين وتغلق البلدات وتعزل العائلات المتضررة عن محيطها. في المغير، تُسجّل الكاميرات مشاهد الرعب، لكنها لا تحرك ساكنًا في المؤسسات الدولية. “في كل مرة نبلغ عن الهجوم، يقول الجنود إنهم لا يستطيعون فعل شيء. نحن وحدنا، نعيش في بيت محاصر، نواجه خطر الموت كل ليلة”، تقول إحدى نساء العائلة.
جدار يحاصر الحياة
لم يعد البيت في المغير مجرد مأوى. لقد صار رمزًا لصمود عائلة فلسطينية تعيش في قلب الخطر، لكنها ترفض أن تُجبر على الرحيل. داخل الجدران العالية، تحاول العائلة الحفاظ على حياة طبيعية قدر الإمكان: الأطفال يذهبون إلى المدرسة، الرجال يخرجون إلى العمل، والنساء يدبّرن شؤون الحياة اليومية رغم كل شيء.
لكنّ الخوف لا يغادر. الرصاص لا يُنسى. والرعب لا يتبدد بسهولة، خاصة حين تكون حماية النفس جريمة في نظر من يسيطر على الأرض.
“العالم لا يرى إلا الحجارة التي نرفعها في وجه الرصاص”، يقول أحد أفراد العائلة، “لكن خلف هذا الجدار هناك خمسة وعشرون إنسانًا، يحاولون فقط النجاة”.
/انتهى/